وها هو صلىاللهعليهوسلم يحرض المؤمنين على القتال فيقول : «ضمن الله لمن خرج في
سبيل الله ، لا يخرجه إلّا جهاد في سبيلي ، وإيمان بي ، وتصديق برسلي ، فهو عليّ
ضامن أن أدخله الجنّة أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو
غنيمة ، والّذي نفس محمّد بيده ، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم
القيامة كهيئته يوم كلم ، لونه لون الدّم ، وريحه ريح مسك ، والّذي نفس محمّد بيده
، لو لا أن أشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله عزوجل أبدا ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة فيتبعوني
ويشقّ عليهم أن يتخلّوا عنّي ، والّذي نفس محمّد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله
فأقتل ثمّ أغزو فأقتل» .
أنت ترى في هذه
الكلمات النّبوية قوة هائلة محولة تجعلها ماثلة في الأذهان كما تجعل النّفوس رخيصة
هيّنة في سبيل الدّفاع عن الدين والأوطان ، حتى لقد كان الرّجل يستمع إلى هذه
المرغبات والمشوّقات وهو يأكل ، فما يصبر حتى يتم طعامه ، بل يرمي بما في يده ،
ويقوم فيجاهد متشوّقا إلى الموت ، متلهفا على أن يستشهد في سبيل الله.
العامل الثّاني
عشر
اهتداء الصّحابة ـ
رضوان الله عليهم ـ بكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم يحلّون ما فيهما من جلال ، ويحرّمون ما فيهما من حرام ،
ويتبعون ما جاء فيهما من نصح ورشد. ويتعهدون ظواهرهم وبواطنهم بالتربية والآداب
الإسلامية دستورهم القرآن ، وإمامهم الرسول عليه الصلّاة والسلام.
وما من شك أن
العلم بالعمل يقرّره في النّفس أبلغ تقرير وينقشه في صحيفة الفكر أثبت نقش ، على
نحو ما هو معروف في فن التّربية وعلم النّفس ، من أن التّطبيق يؤيد المعارف
والأمثلة تقيد القواعد ، ولا تطبيق أبلغ من العمل ، ولا مثال أمثل من الاتباع ،
خصوصا المعارف الدّينية ، فإنّها تزكو بتنفيذها ، وتزيد باتباعها.
قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) أي هداية ونورا تفرقون به بين الحق والباطل ، وبين الرشد
والغيّ كما جاء في بعض وجوه التفسير.
__________________