يكتب الحديث
الشريف كما يكتب القرآن الكريم ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الإذن بكتابة
السّنة آخر الأمر ، والواردة في الإذن لبعض الأشخاص كعبد الله بن عمرو ـ رضياللهعنه ـ.
وأيّا ما تكن
كتابة القرآن والسّنة النّبويّة ، فإن التّعويل قبل كل شيء كان على الحفظ
والاستظهار ، ولا يزال التّعويل حتى الآن على التّلقّي من صدور الرّجال ، ثقة عن
ثقة وإماما عن إمام إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
غير أنّ الرّجل
الأميّ والأمّة الأميّة يكونان أسبق من غيرهما إلى الحفظ ، للمعنى الّذي تقدّم.
العامل الثّاني : أن
الصّحابة كانوا أمّة يضرب بها المثل في الذّكاء وقوة الحافظة وصفاء الطّبع ،
وسيلان الذّهن وحدّة الخاطر ، وفي التاريخ العربيّ شواهد على ذلك يطول بنا تفصيلها
، حتى لقد كان الرّجل منهم يحفظ ما يسمعه لأوّل مرّة مهما طال وكثر ، وربّما كان
من لغة غير لغته ولسان سوى لسانه ، وحسبك أن تعرف أنّ رءوسهم كانت دواوين شعرهم ،
وأنّ صدورهم كانت سجلّ أنسابهم ، وأن قلوبهم كانت كتاب وقائعهم وأيّامهم ، كلّ
أولئك كانت خصائص كامنة فيهم وفي سائر الأمّة العربيّة من قبل الإسلام ، ثم جاء
الإسلام فأرهف فيهم هذه القوى والمواهب ، وزادهم من تلك المزايا والخصائص بما أفاد
طبعهم من صقل ، ونفوسهم من طهر ، وعقولهم من سموّ ، خصوصا إذا كانوا يسمعون لأصدق
الحديث وهو كتاب الله ، ولخير الهدي ، وهو هدي محمدصلىاللهعليهوسلم.
العامل الثّالث : بساطة
هذه الأمّة العربية ، واقتصارها في حياتها على ضروريات الحياة من غير ميل إلى
التّرف ، ولا إنفاق جهد أو وقت في الكماليات ، فقد كان حسب الواحد منهم لقيمات
يقمن صلبه ، وكان يكفيه من معيشته ما يذكره شاعرهم في قوله : [الطويل]
وما العيش إلّا
نومة وتبطّح
|
|
وتمرٌ على رأس
النّخيل وماء
|
وأنت تعلم أن هذه
الحياة الهادئة الوادعة وتلك العيشة الراضية القاصدة توفر الوقت والمجهود ، وترضي
الإنسان بالموجود ، ولا تشغل البال بالمفقود ، ولهذا أثره العظيم في صفاء الفكرة ،
وقوّة الحافظة وسيلان الأذهان ، خصوصا أذهان الصّحابة في اتجاهها إلى حفظ القرآن
وحديث النّبي ـ عليه الصّلاة والسّلام وذلك على حد قول القائل : [من الطويل]