توضيح ذلك أنّ الآية تحرض على أمر مشروع وهو قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) ، وتنهى عن مقابله ، الذي يعدّ مفهوما للآية ، فلو قلنا بأنّ المراد من السفح في الآية ، هو صبّ الماء ، وهو مشترك بين الدائم والمنقطع والزنا ، لم يبق لقوله محصنين مصداق ومورد.
وإن خصّ بالزنا ، كما هو الحق ، يدخل الدائم والمنقطع تحت قوله : (مُحْصِنِينَ) ، ويبقى الزنا تحت قوله : (مُسافِحِينَ).
ثم إنّ الإحصان الذي يراد منه التعفف والاجتناب عن الزنا ، يحصل بالدائم والمنقطع معا ، فتخصيصه بالأول غفلة عن حقيقة العقد المنقطع.
وما في آخر كلامه من تشبيه المرأة المتمتع بها ، بكرة تحذف بصوالجة مختلفة ، يتلقاها رجل عن رجل ، جسارة على التشريع الإلهي ، إذ لا شك أنّ النبي الأكرم سوّغ المتعة مدة ، ولو في أمد قصير ، وإنّما اختلفت الأمّة في نسخه وعدمه. وعلى فرض النسخ ، اختلفوا في زمانه ، فهل يصحّ لنا التعبير عن سنّة النبي ، الذي لا يصدر إلّا عن الوحي الإلهي ، بهذا الشعر المبتذل ، وما هو إلّا لضعف البصيرة وقلة المعرفة.
وربما يقال في تخصيص الآية بالنكاح الدائم أنّ الهدف من تشريع النكاح هو تكوين البيت وإيجاد النسل والولد ، وهو يختص بالنكاح الدائم ، دون المتقطع الذي لا يترتب عليه إلّا إرضاء القوة الشهوية ، وصبّ الماء وسفحه.
ولا يخفى أنّه خلط بين الموضوع والفائدة المترتبة عليه ، وما ذكر إنّما هو من قبيل الحكمة ، وليس الحكم دائرا مدارها ، ضرورة أنّ النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض ، كزواج العقيم واليائسة والصغيرة ، بل أغلب المتزوجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلّا قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع ، ولا يخطر على بالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهرا ، ولا يقدح ذلك في صحة زواجهم.
ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر ، مع أنّها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والإرضاع والحضانة.