١ ـ اختلافهما من حيث المبادي النفسية
إنّ المتقي مؤمن بالله سبحانه وكتبه ورسله ، غير أنّه يرى صلاح دينه ودنياه في عدم التظاهر بما آمن به ، والتظاهر بخلافه في بعض الأحايين. ولكن المنافق هو من يبطن الكفر ، وعدم الإيمان بالله سبحانه ، وكتبه ، ورسله ، أو ما دونها من المبادي الدينية ، ولكنه يتظاهر بالإيمان حتى يتخيّل المؤمنون أنّه منهم.
وهذا مؤمن آل فرعون ، يكتم إيمانه ، تقية من قومه ، وربما يتظاهر بأنّه على دين قومه ، ولكنه بهذا الغطاء يخدم دينه ونبيّه ، فيرشد قومه إلى رصانة دينه ، ببيان بليغ صادر عن رجل محايد ، كما يخدم نبي زمانه بإبلاغه مؤامرة قومه للفتك به ، وتظهر تلك الحقيقة في الآيتين التاليتين :
قال تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ : أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (١).
ويقول أيضا : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ، قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (٢).
٢ ـ اختلافهما من حيث الغايات والأغراض
إنّ مستعمل التقية لا يهدف من استعمالها ، إلا صيانة نفسه عن الأذى والقتل ، وعرضه عن الهتك ، وماله عن النّهب ، أو ما يؤول إليها بالنتيجة. فلو كان هناك طمأنينة بالنسبة إلى ما يرجع إليه من هذه الأمور ، لما استعمل التقية ، ولا لجأ إليها. حتى أنّ التقية لأجل التحابب والتوادد ، ترجع غايتها إلى درء الشر عن النفس والنفيس.
__________________
(١) سورة غافر : الآية ٢٨.
(٢) سورة القصص : الآية ٢٠. وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون على ما في التفاسير.