وقبل الورود في الجواب نعلّق على هذا السؤال بأنه لا يختص بما ورد فيه من أكل إنسان إنسانا ، الذي لا يتفق حصوله إلّا في أعماق الأدغال ، والمجتمعات الوحشية ، بل السؤال يرجع إلى أمر يومي ملموس في المجتمعات المتحضرة ، وذلك أنّ النباتات والثمار والحبوب التي يتغذّى عليها الإنسان تنبت من تراب الأرض ، الذي هو مزيح رفات الأموات الذين قضوا عبر الدهور ، والذي هو عصارة الأبدان وخلاصتها.
ونحن نرى أنّ المقابر الواقعة في أكناف البلاد تتبدل إلى حدائق للتفرج والتنزه أو إلى مزارع للاستثمار ، فيتغذى منها الحيوان والإنسان ، فيؤول بدن الإنسان الميت ، جزء من الإنسان الحي ، فعندئذ يطرح السؤال المتقدم.
الجواب :
إن هذه أقوى شبهة تعترض القول بالمعاد الجسماني ، ونحن نذكر أولا ما هو الحق عندنا في الإجابة ، ثم نشير إلى ما ذكره المتكلمون في ذلك :
أما الصورة الأولى من الإشكال ، فبعض احتمالاتها ساقط جدا ، وهو عود المأكول جزء لكلا الإنسانين ، فيبقى الاحتمالان الآخران ، وبأي واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال ، وذلك بالبيان التالي :
إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولده إلى يوم وفاته واقع في مهب التغير وخضم التبدل ، فليس وجوده جامدا خاليا عن التبدل. فبدن الإنسان ليس إلا خلايا لا يحصيها إلا الله سبحانه ، وكل منها يحمل مسئوليته في دعم حياة البدن ، والخلايا
__________________
ـ ص ٢١٦. والإشكال الثاني وارد فيه دون الأول. وكشف المراد ، ص ٢٥٥ ، ط صيدا. والأسفار ، ج ٩ ، ص ١٩٩.
والفرق بين الصورتين هو أنّ الإشكال بالتقرير الأول يركز على نقص الإنسان المعاد من حيث البدن ، ولكنه في التقرير الثاني يركز على أنّ المعاد الجسماني في المقام يستلزم خلاف العدل الإلهي ، فالأساس في الإشكال في الصورتين واحد ، وهو كون بدن إنسان جزء من بدن إنسان آخر ، ولكن المترتب على الصورة الأولى هو عدم صدق كون المعاد هو المنشأ في الدنيا ، وعلى الصورة الثانية هو تعذيب البريء مكان المجرم.