وفي الإسلام تطليقة ، فهل تضم التطليقتان إلى الثالثة ، أو لا؟ فقال للسائل «لا آمرك ولا أنهاك» (١).
هذا ، ولا نعني من ذلك أنّ الشريعة الإسلامية ، ناقصة في إيفاء أغراضها التشريعية ، وشمول المواضيع المستجدة ، أو المعاصرة لعهد الرسول ، بل التشريع الإسلامي كان وافيا بالجميع ببيان سوف نشير إليه (٢).
والذي يكشف عمّا ذكرنا ، أنّه اضطرّ صحابة النبي منذ الأيام الأولى من وفاته صلوات الله عليه وآله ، إلى إعمال الرأي والاجتهاد في المسائل المستحدثة ، وليس اللجوء إلى الاجتهاد بهذا الشكل ، إلّا تعبيرا واضحا عن عدم استيعاب الكتاب والسنّة النبوية للوقائع المستحدثة ، بالحكم والتشريع ، ولا مجال للاجتهاد وإعمال الرأي فيما يشمله نصّ من الكتاب أو السنّة بحكم ، ولذلك أحدثوا مقاييس للرأي ، واصطنعوا معايير جديدة للاستنباط ، وألوانا من الاجتهاد ، منه الصحيح المتّفق عليه ، يصيب الواقع حينا ، ويخطئه أحيانا ، ومنه المريب المختلف فيه. وكان القياس أوّل هذه المقاييس وأكثرها نصيبا من الخلاف ، والمراد منه إلحاق أمر بآخر ، في الحكم الثابت للمقيس عليه ، لاشتراكهما في مناط الحكم المستنبط. وكان القياس بهذا المعنى (دون منصوص العلة) مثارا للخلاف بين الصحابة ، والعلماء ، فقد تبنّته جماعة من الصحابة والتابعين ، وأنكرته جماعة أخرى ، وعارضوا الأخذ به ، منهم الإمام علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأئمة أهل البيت ، ثم اصطنعوا بعد ذلك معايير أخرى ، منها المصالح المرسلة ، وهي المصالح التي لم يشرّع الشارع حكما بتحقيقها ، ولم يدلّ دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها.
وهناك مقاييس أخرى ، كسدّ الذرائع ، والاستحسان ، وقاعدة شرع من
__________________
(١) كنز العمال ، ج ٥ ، ص ١١٦.
(٢) حاصله أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس ، ومقتضيات الظروف الزمنية ، فلا بد ـ في إيفاء غرض التشريع ـ أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه ، ويقوم مقامه ، لإيفاء أغراضه التي لم يقدّر له تحقيقها في حياته الكريمة.