القدرة فانّها ممكِّنة للعبد من الطاعة لا مقربة منها وقد عرفت انّ هذا القسم من اللطف داخل في المحصل بالمعنى الأوّل المختار وقوله : « ولا يبلغ الالجاء » يخرج ما إذا لم يكن للعبد معه محيص من اختيار الطاعة ، فهذا أيضاً الجاء وليس لطفاً .
استدلوا على وجوب اللطف مطلقاً انّه تعالى أراد من المكلّف الطاعة فإذا علم أنّه لا يختار الطاعة ( اللطف المحصل ) أو لا يكون أقرب إليها إلّا عند فعل يفعله به ، وجب في الحكمة أن يفعل ، إذا لو أخل به لكشف ذلك عن عدم إرادته أو جرى ذلك مجرى من أراد من غيره حضور طعامه وعلم أو ظنّ انّه لا يحضر بدون رسول ، فمن لم يرسل عدّ مناقضاً لغرضه . (١)
والحقّ هو القول بوجوب اللطف إذا كان مؤثر في قرب الأغلبية الساحقة من المكلّفين إلى الطاعة أي ما هو دخيل في نفس الرغبة إلى الطاعة ، والابتعاد عن المعصية في نفوس الأكثرية ، فيجب على الله القيام به .
وفي الكتاب والسنّة إشارات إلى هذا النوع من اللُّطف . يقول سبحانه : ( وَ بَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) . (٢)
والمراد من الحسنات والسيئات ، نعماء الدنيا وضرّاؤها وكأنّ الهدف من ابتلائهم بهما هو رجوعهم إلى الحقّ والطاعة .
ويقول سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) . (٣)
ومفاد الآية أنّ الله تعالى أرسل رسله لإبلاغ تكاليفه تعالى إلى العباد وإرشادهم إلى طريق الكمال ، غير أن الرَّفاه والرَّخاء والتوغل في النعم المادية ، ربما يسبب الطغيان وغفلة الإنسان عن
__________________
(١) قواعد المرام / ١١٨ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ١٦٨ .
(٣) سورة الأعراف : الآية ٩٤ .