ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ، لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ، وَبِعَهْدِ اللَّـهِ أَوْفُوا ، ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ، ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .
هذه نماذج من الأُصول الأخلاقية الواردة في القرآن الكريم ، وللتوسع مجال ليس هنا موضعه .
نعم ، نرى أنّ التوراة أَمَرَتْ بني إسرائيل بالحكم بالعدل لأقربائهم ، ونَهَتْهُم عن الحقد على أبناء شعبهم ، وعن السعي بالوشاية وشهادة الزور على أقربائهم وأن يَغْدُرَ أحدُهم بصاحبه ، ولكنها شَوَّهت جمال هذه الأُصول الأخلاقية ، بتخصيص تعاليمها ببني إسرائيل ، وبتخصيصها بالقريب والشعب والصاحب . وهذا بخلاف القرآن ، فإنّه يوجّه خطاباته الأخلاقية إلى الناس أجمعين ، من دون فرق بين قوم وقوم ، وعنصر وآخر .
وأمّا الأناجيل الرائجة ، فقد أفرطت في الدعوة إلى التصوّف البارد ، حتى نهت عن ردع الظالمين بالإنتصاف من الظالم ، وقطع مادة الفساد ، بل قالت : « لاتقاوموا الشر ، بل من لطمك على خدّك الأيْمَن ، فحوّل له الآخر أيضاً * ومن اراد أن يُخاصِمَك ويأخُذَ ثَوْبَكَ ، فاترك له الرداء أيضاً !! » (٢) .
إنّ للأخلاق القرآنية صبغة خاصة وميزة فريدة ، فلا هي أخلاق يونانية تجعل الغاية من التزين بالأخلاق هي النفع المادي العائد من الإنسان ، كالدعوة إلى إكرام الجار ، حتى لا يسرق متاعاً عند غيابك ، أو يردع الطاغية الظالم عنها . ولا هو أخلاق روحانية بحتة ، لا ترى إلّا ترقية الروح وإسعادَها ، وتنسى أنّ البشر مخلوق ممزوج من مادة ومعنى ، وجسم وروح ، ولا تتحقق السعادة إلّا
__________________
(١) سورة الأنعام : الآيات ١٥١ ـ ١٥٣ .
(٢) لاحظ العهد الجديد ، إنجيل متى ، الأصحاح الخامس ، الجملتان ٣٩ و ٤٠ ، ص ٩ ، ط دار الكتاب المقدس .