كان العرب يعرفون الأساليب الأربعة السالفة ، ولكنهم لم يعرفوا الأسلوب القرآني الذي يأخذ فيه الكلام صورة خاصة ، تأتي فيها الآيات ، وتختم كل واحدة منها بفاصلة ذات نظم ورنين ، فيجد الصدر لذلك راحة عند الوقوف على الفاصلة .
إنّ الأسلوب القرآني الذي تفرّد به ، كان أبين وجه من وجوه الإعجاز ، في نظر الباحثين عن إعجازه ، وإن جعلناه أحد الأسس الأربعة التي يبنى عليها صرح الإعجاز القرآني .
ولأجل أهمية الأسلوب في رفع القرآن إلى درجة الإعجاز ركّز القاضي الباقلاني عليه وحصر وجه إعجازه فيه ، وقال : « وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف (١) وأنّه خارج عن وجوه جميع النظم المعتاد في كلام العرب ومبائن لأساليب خطاباتهم ، ولهذا لم يمكنهم معارضته » .
وأضاف : « ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر ، لأنّه ليس ممّا يخرق العادة ، بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به ، كقول الشعر ، ورصف الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق في البلاغة ، وله طريق تسلك . فأمّا شأو نظم القرآن ، فليس له مثال يحتذى ، ولا إمام يقتدى به ، ولا يصحّ وقوع مثله اتّفاقاً » (٢) .
وممّن حصر وجه إعجاز القرآن بأُسلوبه الراقي هو الأصفهاني ـ على ما حكاه السيوطي ـ فإنّه بعدما أشار إلى أقسام الكلام من المحاورة ، والنثر المسجع ، والشعر ، قال : « ولكل من ذلك نظم مخصوص ، والقرآن جامع لمحاسن الجميع ، على نظم غير نظم شيء منها ، يدلّ على ذلك أنّه لا يصح أن يقال له : « رسالة » ، أو « خطابة » ، أو « شعر » ، أو « سجع » . كما يصح أن يقال هو كلام . والبليغ إذا قرع القرآن سمعه ، فصل بينه وبين ما عداه من النظم ، ولهذا
__________________
(١) مراده من النظم والتأليف والترصيف هو الأسلوب لا النظم الذي اصطلحنا عليه في الدعامة الثالثة ، كما يظهر من القرائن .
(٢) الإتقان في علوم القرآن ، ج ٤ ، ص ٨ .