وفي روايةٍ ، بعدما وصف الوليد ما سمع من كلام محمد ، بقوله : « ما هو من كلام الإنس الخ . . » (١) ، ذهب إليه أبو جهل ، فقعد إلى جنبه حزيناً ، فقال له الوليد : « ما لي أراك حزيناً يابن أخي » .
قال : « هذه قريش يعيبونك على كبر سنك ، ويزعمون أنَّك زيّنت كلام محمد » .
فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه ، فقال : « أتزعمون أنّ محمداً مجنون ، فهل رأيتموه يخنق » ؟ .
فقالوا : « اللهم لا » .
قال : « أتزعمون أنّه كاهن ، فهل رأيتم عليه شيئاً من ذلك » ؟ .
قالوا : « اللهم لا » .
قال : « أتزعمون أنّه شاعر ، فهل رأيتموه أنّه ينطق بشعر قطّ » ؟ .
قالوا : « اللهم لا » .
قال : « أتزعمون أنّه كذّاب ، فهل جَرّبتم عليه شيئاً من الكذب » ؟ .
قالوا : « اللهم لا » .
فقالت قريش للوليد : « ما هو ؟ » .
فتفكّر في نفسه ، ثم نظر وعبس ، فقال : « ما هو إلّا ساحر . ما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله ، وولده ومواليه ؟ . فهو ساحر ، وما يقوله سحر يُؤْثَر » (٢) .
إنّ تفسير القرآن بالسحر ، وتوصيف الداعي بالساحر ـ كما نقله القرآن في غير واحد من آياته ـ أدلّ دليل على أنّ فُصَحاء العرب وجدوا العجز في أنفسهم
__________________
(١) تقدم كلامه في الصفحة السابقة .
(٢) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٣٨٦ ـ ٣٨٧ .