أيضاً فرّق بينهم . وهذا هو ريحانة قريش ، الوليد بن المغيرة ، وقد اجتمع مع رؤساء قريش في دار الندوة ، فقال لهم : « إنّكم ذوو أحساب وذوو أحلام ، وإنّ العرب يأتونكم ، فينطلقون من عندكم على أمر مختلف ، فأجمعوا أمركم على شيء واحد . ما تقولون في هذا الرجل ؟ » .
قالوا : « نقول :
١ ـ إنّه شاعر » .
فعبس عندها ، وقال : « قد سمعنا الشعر ، فما يشبه قوله الشعر » . فقالوا :
٢ ـ « إنّه كاهن » .
قال : « إذاً تأتونه فلا تجدونه يحدث بما تحدث به الكَهَنة » . قالوا :
٣ ـ « إنّه لمجنون » .
فقال : « إذاً تأتونه ، فلا تجدونه مجنوناً » . قالوا :
٤ ـ « إنّه ساحر » .
قال : « وما الساحر » ؟ .
قالوا : « بشر يحببون بين المتباغضين ، ويبغِّضون بين المتحابين » .
قال : « فهو ساحر » .
فخرجوا لا يلقى أحد منهم النبي إلّا قال :
يا ساحر ، يا ساحر » .
واشتدّ على النبي ذلك ، فأنزل الله تعالى قوله :
( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) (١) .
__________________
(١) سورة المدثر : الآيات ١١ ـ ٢٥ .