ثم لو قيل لهم : إذا جوزتم تعلق القدرة بالمقدور فى (١) الوقت المتقدم على وقت حدوثه ، فما المانع من تعلقها به قبل وقت حدوثه بأوقات مع أنكم لم تقولوا به ؛ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا.
فلئن قالوا : القدرة مع المقدور : كالعلم بالمنظور فيه مع النظر ، والنظر لا يقارن العلم بالمنظور فيه ، ولا العلم متأخر عنه بتقدير عدم الأضداد المانعة منه ؛ فكذلك القدرة مع المقدور.
فنقول : هذا جمع من غير دليل جامع ؛ فلا يكون مفيدا. وما المانع من أن تكون القدرة مع المقدور ، لا (٢) كالنظر مع العلم (٢) بالمنظور فيه ؛ بل من قبيل العلم ، والعالمية ، والإرادة ، والمريدية ، إلى غير ذلك مما قيل بمقارنته دون تقدمه.
وقد استدل الأصحاب فى المسألة بمسلكين ضعيفين :
المسلك الأول : هو أنه لو كانت القدرة الحادثة متقدمة على الفعل المقدور ، وهو واقع بها فى الحالة الثالثة ؛ لجاز تقدير عدمها فى الحالة الثانية ، بتقدير وجود عجز مضاد لها فى الحالة الثانية ، أو فوات شرطها ، ويلزم من ذلك ، وقوع الفعل فى الحالة الثانية ، مع تحقق العجز المضاد ، أو فوات شرط القدرة ؛ وهو محال.
ولقائل أن يقول :
العجز المفروض فى الحالة الثانية من وجود القدرة الحادثة ؛ لا يلزمه انتفاء الفعل فى تلك الحالة ؛ فلا يكون ضدا للقدرة السابقة ؛ بل إنما يلزم انتفاء الفعل فى الحالة الثانية من حالة وجوده ، كما أن القدرة لا تؤثر فى الفعل فى وقت وجودها ؛ بل فى ثانى الحال ؛ فالعجز المضاد للقدرة : إنما هو العجز المفروض وقوعه فى حالة فرض وقوع القدرة فيها ؛ فلا يكون موجودا معها.
فإن قيل : فالقدرة المتقدمة المتعلقة بالفعل فى (٣) ثانى الحال : إما أن تكون متعلقة بالفعل فى الزمن الثالث وما بعده ، أو لا تعلق لها (٤) به فيه.
__________________
(١) فى ب (من).
(٢) فى ب (كالنظر).
(٣) فى ب (لا فى).
(٤) فى ب (له).