قولهم : فى الشبهة الأولى (١) : لو تعلقت القدرة بالحادث وقت حدوثه ، كان فيه تحصيل الحاصل : مبنى على أن القدرة مؤثرة فى الإيجاد ؛ وهو ممنوع على ما تقدم ، وإن كانت مؤثرة : فلا يلزم من تعلقها به فى وقت وجوده إيجاد الموجود ؛ فإنه لا معنى لكونها مؤثرة فى وجوده ، فى وقت وجوده ، غير أنه لو لا القدرة فى وقت الوجود : لما كان الفعل موجودا فى ذلك الوقت ؛ لا بمعنى أنها موجدة للفعل الموجود.
وعلى هذا : فقد بطل قولهم : الموجود إذا تحقق استغنى عن تعلق القدرة به.
ثم يلزمهم على قول ذلك استغناء المعلول عند تحققه عن العلة : كالعالم ، والعلم. واستغناء المشروط عند تحققه عن / الشرط : كالعلم مع الحياة ، واستغناء المسبب عند تحققه عن السبب : كحركة الخاتم (٢) ، مع حركة اليد ؛ وهو ممتنع.
فلئن قالوا : القدرة ليست علة للمقدور ، ولا شرطا له ؛ فلا يلزم مقارنتها للمقدور بخلاف العلة ، والشرط ؛ فإن من حكم العلة مقارنتها للمعلول ، وكذلك الشرط مع المشروط. وأما المسبب : فموجود بالقدرة لا بالسبب.
قلنا : القدرة وإن لم تكن علة للمقدور ، ولا شرطا له. غير أن المقدور مفتقر إلى القدرة كافتقار المعلول إلى العلة ، والمشروط إلى الشرط ؛ فإذا كان المقدور عند وجوده ، مستقلا بالوجود ، مستغنيا عما لا يتم وجوده إلا به ؛ فكذلك المعلول ، والمشروط ؛ ضرورة عدم الفرق من جهة كون كل واحد مفتقرا إليه فى الوجود.
وقولهم : إن المسبب مقدور بالقدرة ؛ فلا يخفى أن الخارج عن محل القدرة غير حاصل بمجرد القدرة دون تقدير سبب ، فالسبب يكون مفتقرا إليه فى الوجود : كالافتقار إلى القدرة. فإذا جاز استقلال الفعل المتوقف على القدرة بعد وجوده ، مستغنيا عن وجود القدرة معه ؛ فكذلك السبب.
قولهم فى الشبهة الثانية : القدرة ممتنعة التعلق بالباقى ؛ لكونه موجودا ؛ فكذلك فى أول الوجود.
__________________
(١) الشبهة الأولى هى الوجه الأول من الأشكال الثالث وقد ذكرها الآمدي على أنها الوجه الأول ثم أجاب عنها وسماها الشبهة الأولى وقد تابعته فى ذلك وفى بقية الأوجه حتى الثامن.
(٢) فى ب (المفتاح).