المدارك؟ وما المانع من أن يكون ثم مدرك من مدارك الاستحالة لم تعثروا عليه؟ وعدم الاطلاع عليه (١) مع البحث ، والسبر غير موجب لليقين [بعدمه (٢)] كما تقدم (٣).
قال القاضى أبو بكر : القائل من الملة (٤) قائلان : قائل بالجواز قطعا ، وقائل بالاستحالة قطعا. والقائلان متفقان على امتناع الوقف ، والتشكك (٥) فى أحد الأمرين ؛ فيمتنع القول به ؛ لما فيه من مخالفة الإجماع. فلم يبق إلا القول بالاستحالة أو الجواز جزما ومن قال بالاستحالة لم يقل بمدرك غير ما ظهر ؛ فقد اتفق القائلون بالجواز ، والاستحالة على نفى مدرك آخر ؛ فمن ادعاه يكون خارقا للإجماع.
وقال إمام الحرمين : قد أجمعنا على القطع بتجويز حدوث أمثال السماوات ، والأرض بقدرة الله ـ تعالى ـ مع إمكان / ورود هذا السؤال بعينه ؛ فكل ما يقوله الخصم في جوابه ؛ فهو جوابه هاهنا.
والجوابان ضعيفان :
أما الأول : فمع أن حاصله يرجع إلى التمسك بالإجماع ؛ وهو سمعى لا عقلى. فلقائل أن يقول : انقسام أهل الملة إلى القاطع بالجواز ، والقاطع بالاستحالة. وإن كان إجماعا منهم على القطع بنفى الوقف والتردد ؛ لكن لا نسلم إجماعهم على حصر مدارك الاستحالة ؛ بل للخصم أن يقول : مدرك الاستحالة عندى : انتفاء مدرك الجواز.
وعند ذلك : فإن لم تبينوا مدرك الجواز ؛ فقد صح ما قلته. وإن بينتموه ؛ فلا حاجة إلى هذه الحجة.
ثم وإن قدرنا انتفاء جميع مدارك الاستحالة ؛ فلا يلزم من انتفاء الدليل ، انتفاء المدلول في نفسه ؛ لجواز أن يكون المدلول متحققا ، وإن لم يخلق الله ـ تعالى ـ [دليلا عليه (٦)] كما تقدم.
وعند ذلك : فالجزم بنفى الاستحالة يكون ممتنعا.
فإن قيل : إذا كانت مدارك الاستحالة منتفية ؛ فالجزم بالاستحالة ممتنع. ولا سبيل إلى الوقف ؛ لما تقدم. فلم يبق إلا القطع بالجواز ، فللخصم أن يقول : والجزم أيضا بالجواز مع انتفاء دليله أيضا ممتنع. ولا سبيل إلى الوقف ، فيجب الجزم بالاستحالة.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) ساقط من أ.
(٣) انظر ل ٣٩ / ب.
(٤) فى ب (المسألة).
(٥) فى ب (والتشكيك).
(٦) فى ب (عليه دليلا).