ما يصلح المؤمنين فانّ من العباد من لا يصلحه الّا الفقر ومنهم من لا يصلحه الّا الغنى ولو أصبح المؤمن يملك ما بين المشرق والمغرب لكان خيرا له ، ولو أصبح يقطع اربا اربا لكان خيرا له (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) المطر النّافع الّذى يغيثهم من الجذب ولذلك سمّى غيثا والجملة في معنى التّعليل لقوله ينزّل بقدر (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) بيان لانزال الغيث وتسميته للمطر باسم آخر فانّه يسمّى المطر في العرف بالرّحمة لانّه رحمة من الله على العباد والحيوان والنّبات ، أو المراد مطلق الرّحمة سواء كانت مطرا أو غيره فيكون تعميما بعد التّخصيص (وَهُوَ الْوَلِيُ) الّذى يتولّى أمور عباده وسائر مخلوقاته فيربّيهم أحسن التّربية (الْحَمِيدُ) الّذى لا محمود سواه وكان محمودا في نفسه (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) فانّ في خلق السّماوات بهيئة خاصّة وحركة مخصوصة وكوكب ومدار خاصّ ، وفي خلق الأرض بسيطة قابلة لانحاء التّصرّف فيها من بناء الابنيّة وزرع الزّراعات وغرس الأشجار واجراء المياه على وجهها ، وقبولها تأثيرات السّماوات والسّماويّات ، وفي خلق المواليد على وجهها كلّ بنحو خاصّ لائق بنوعه وببقائه آيات عديدة دالّة على علمه بالجزئىّ والكلّىّ واحاطته وقدرته ورأفته بخلقه وغير ذلك (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) بمنزلة النّتيجة فانّ الّذى نشر هذه المواليد بعد ما لم تكن إذا شاء ان يجمعهم جمعهم وهو أسهل عليه من نشرهم (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) عطف فيه أيضا رفع توهّم انّه لو كان ينشر رحمته وكان وليّا لعباده حميدا في صفاته فلم يصاب العباد بالمصائب (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا) برحمته وتربيته (عَنْ كَثِيرٍ) ممّا كسبت أيديكم وهل ذلك عامّ لكلّ من يصاب أو خاصّ ببعض والبعض الآخر مصيبته لرفع درجته لا لذنب وقع منه كما في الاخبار ، ويمكن التّعميم بتعميم الذّنب للذّنوب الّتى عدوّها في الشّريعة ذنوبا ولما يعدّ في الطّريق ذنوبا ولما يعدّ من المقرّبين ذنوبا ، فانّ خطرات القلوب ذنوب الأولياء (ع) ، والالتفات الى غير الله ذنوب الأنبياء (ع) ، مع انّهم كانوا مأمورين بالتّوجّه الى الكثرات ، وعن الصّادق (ع) انّه سئل : أرأيت ما أصاب عليّا (ع) وأهل بيته (ع) من بعده؟ اهو بما كسبت أيديهم؟ وهم أهل بيت طهارة معصومون؟! فقال : انّ رسول الله (ص) كان يتوب الى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب ، انّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب ، وعن علىّ (ع) انّه قال : قال رسول الله (ص): خير آية في كتاب الله هذه الآية ، يا علىّ ما من خدش عود ولا نكبة قدم الّا بذنب ، وما عفا الله عنه في الدّنيا فهو أكرم من ان يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدّنيا فهو اعدل من ان يثنّى على عبده (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) قانتين عن الله (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) قد مضى مكرّرا بيان الولىّ والنّصير (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) قرئ بحذف الياء في الوصل والوقف اجراء للوصل بنيّة الوقف ، وقرئ بإثباتها فيهما ، وقرئ بحذفها في الوصل دون الوقف (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) العلم محرّكة الجبل الطّويل أو عامّ (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ) ثوابت (عَلى ظَهْرِهِ) اى ظهر البحر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) لكلّ مؤمن كامل الايمان فانّ الايمان نصفان ، نصف صبر ونصف شكر ، ولاختفاء دلالة السّفن على علمه وقدرته وحكمته واعتنائه بخلقه واحتياجها في الدّلالة المذكورة الى تأمّل تام وتوجّه كامل الى الحقّ الاوّل بحيث يرى كلّ النّعم منه ويراه في انعامه قال لكلّ صبّار شكور (أَوْ يُوبِقْهُنَ) يهلكن بالاغراق وإهلاك اهلهنّ (بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) قرئ يعف بالجزم عطفا على يوبقهنّ اى ان شاء يوبقهنّ بإرسال الرّيح العاصف وان شاء يعف عن كثير ، وقرئ يعفو بالرّفع على الاستيناف ومعنى