بل الله فاعبد بالطّاعة وكن من الشّاكرين ان عضدّتك بأخيك وابن عمك ، والغرض من نقل امثال هذه الاخبار ان تعلم انّه كلّما ذكر اشراك وتوحيد كان المراد الإشراك بالولاية والتّوحيد لها سواء أريد من ظاهره غيره أو أريد بظاهره أيضا ذلك فقوله تعالى بل الله فاعبد كان معناه بل عليّا (ع) فتولّ ، لانّه مظهر الله ولانّ عبادة الله لا تتيسّر الّا بالولاية وكن من الشّاكرين على نعمة الولاية وكان معنى قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما قدروا عليّا (ع) أو ما قدروا الولاية حقّ قدره ، ولمّا كان المقصود التّعريض بالامّة عطف بيان حالهم على اشراكه كأنّه قال : لكن ما قدروا الله حقّ قدره لانّه كما لا يمكن قدر الذّات الاحديّة لأحد من مخلوقه لا يمكن قدر الولاية حقّ قدرها لأحد سوى صاحب الولاية المطلقة ، وقال القمّى : نزلت في الخوارج ، والسّرّ في انّهم لا يقدرون الله قدره انّهم محدودون بحدود لا فرق في ذلك بين الأنبياء (ص) والأوصياء (ع) الجزئيّين وبين سائر الخلق غاية الأمر انّ الأنبياء (ع) قد خرجوا من بعض الحدود البشريّة والانسانيّة وغيرهم ما خرجوا والذّات الاحديّة وكذلك المشيّة الّتى يعبّر عنها بالولاية الّتى هي علويّة علىّ (ع) مطلقة من الحدود ، والمحدود لا يقدر على ادراك المطلق فلا يقدر قدره لانّ قدر القدر مسبوق بإدراكه ، وامّا النّبىّ الخاتم (ص) والولىّ الخاتم (ع) فيقدران قدر الولاية ولا يقدران قدر الله ، والله تعالى شأنه هو الّذى يقدر قدر الكلّ (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) القبضة المرّة من القبض وفيه تفخيم لعظمته من حيث انّ الأرض بعظمتها كانت قبضة واحدة له والمراد بالأرض كما مرّ مرارا اعمّ من عالم المثال السّفلىّ وعالم المثال العلوىّ وعالم الطّبع بجميع سماواته وأرضيه (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) اطلاق القبضة في الأرض عن اليمين وعن الطّىّ واستعمال الطّىّ في السّماوات وتقييده باليمين للاشارة الى حقارة الأرض بالنّسبة الى السّماوات ورفعة السّماوات وعظمتها وشرافتها بالنّسبة الى الأرض يعنى انّ له تعالى تلك العظمة ومع ذلك يشركون به جمادا منحوتا لهم أو مخلوقا ضعيفا له (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) من الأصنام والكواكب وأنواع المخلوقات من العناصر ومواليدها وعمّا يشركون به في الولاية وعمّا يشركون به في العبادة من الأغراض والاهوية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) الإتيان بالماضي للاشارة الى تحقّقه ، أو لأنّ القضيّة قد مضت بالنّسبة الى النّبىّ المخاطب له أو صارت القضيّة واقعة حين الخطاب بالنّسبة اليه (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) تقديم من في السّماوات لشرافتهم والّا فمن في الأرض يصعق اوّلا فانّ المراد النّفخة الاولى وبها يصعق من في الأرض اوّلا ثمّ من في السّماء (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) في خبر من شاء الله ان لا يصعق جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، وفي خبر : هم الشّهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ) نفخة (أُخْرى) وهي نفخة الأحياء (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) قد مضى في سورة النّمل بيان الآمنين يوم القيامة وحين النّفخة الاولى أو الثّانية ، وبيّنا في سورة النّور معاني الصّور ووجوه قراءتها وكيفيّة النّفخ فيها وكيفيّة الاماتة والأحياء بها (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها).
تحقيق تبديل الأرض وإشراقها بنور ربّها
اعلم ، انّ نسبة الامام الى الأرض والارضيّين مثل نسبة الرّوح الى البدن وقواه ، وكما انّ نور الرّوح لا يظهر الّا في القوى المدركة دون سائر آلات البدن لكونها منغمرة في ظلمة المادّة كذلك نور الامام في الدّنيا لا يظهر الّا في الكمّل من شيعتهم ، وامّا غيرهم من العناصر ومواليدها إنسانا كانت أو حيوانا أو نباتا وجمادا فلا يظهر نور الامام فيها لانغمارها في ظلمات المادّة وعوارضها فاذا انقضى الدّنيا وانقضى البرازخ الّتى هي معدودة من الدّنيا بوجه وانتهى الإنسان الى الأعراف أو الى عالم المثال النّورىّ العلوىّ صارت الأرض مبدّلة والمادّة ولوازمها مطروحة وصارت تلك الأرض مستشرقة بنور الامام (ع)