(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ) مناعة عن قبول الحقّ وتأنّف منه و (شِقاقٍ) وفي طرف مع الله ورسوله ولذلك لم يقبلوا رسالة رسوله ولا كتابه (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أمّة هالكة تهديد لهم على كفرهم (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) هو من قولهم وما تنادوا به أو من الله أو من الملائكة ، حكى بتقدير القول اى فنادوا وقال الله أو الملائكة لات حين مناص وزيادة التّاء على لا للتّأكيد (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) والحال انّه لا ينبغي ان يكون المنذر الّا منهم (وَقالَ الْكافِرُونَ) اى قالوا ، ووضع الظّاهر موضع المضمر لإظهار ذمّهم وبيان مبني قولهم (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) قد مضى بيان السّحر في سورة البقرة عند قصّة هاروت وماروت (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) استغربوا ما سمعوه من خلاف ما اعتادوه (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) بالغ في العجب (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) يعنى انطلق ألسنتهم ولذا أتى بان التّفسيريّة بعده أو انطلقوا بأرجلهم والمعنى انطلقوا عنه مسارّين (أَنِ امْشُوا) من عند هذا الرّجل أو امشوا على دينكم (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا) الّذى هو من جملة البلايا والمصائب (لَشَيْءٌ يُرادُ) بنا أو انّ هذا الّذى يدّعيه من الرّياسة على العباد والتّرفّع في البلاد شيء يريده كلّ أحد (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) اى الملّة الّتى هي غير هذه والملّة الّتى أدركناها (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) وقد ورد الاخبار بانّ الآية نزلت بمكّة بعد ان أظهر رسول الله (ص) دينه وسمعت به قريش وذلك انّه اجتمعت قريش الى ابى طالب (ع) وقالوا : يا أبا طالب انّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبّاننا وفرّق جماعتنا فان كان الّذى يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتّى يكون اغنى رجل في قريش ونملّكه علينا ، فأخبر ابو طالب (ع) رسول الله (ص) فقال : لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري ما أردته ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في الجنّة ، فقال لهم أبو طالب ذلك ، فقالوا : نعم وعشر كلمات ، فقال لهم رسول الله (ص) : تشهدون ان لا اله الّا الله وانّى رسول الله فقالوا : ندع ثلاث مائة وستّين إلها ونعبد إلها واحدا؟! فأنزل الله سبحانه بل عجبوا (الآية) (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) مع انّه كان يتيما لا مال له ولا علم ولا شأن (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) لا انّهم أيقنوا بالذّكر وأنكروا ان تكون أنت هو أو تكون أنت صاحبه (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) حتّى أيقنوا بعذابي وأيقنوا بذكرى يعنى انّهم أبطرتهم كثرة النّعم والفراغ من البلايا فاشتغلوا بلذائذ النّفوس وأنكروا ما وراءها (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) حتّى يختاروا لرحمته الّتى هي النّبوّة ونزول الذّكر من شاؤا من رجل من القريتين عظيم (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتّى يتصرّفوا فيها بما شاؤا ويجعلوا فيها من شاؤا رئيسا ومن شاؤا مرءوسا (فَلْيَرْتَقُوا) امر للتّعجيز (فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا في أسباب الصّعود الى العرش فينزلوا الذّكر على من شاؤا ، وقيل : المراد بالأسباب السّماوات لانّها أسباب المواليد السّفليّة (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) الجملة جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : فما حالهم ومآل أمرهم؟ ـ فقال : انّهم سيهزمون لانكارهم الذّكر وصاحبه لكنّه قال : جنود كثيرة أو عظيمة في مقام هذا الإنكار الّذى هو ابعد المقام عن مقام العقول صاروا مهزومين من الفرق المتفرّقة المختلفة من العرب والعجم والتّرك والدّيلم ليكون تنبيها ودليلا وتهديدا على المقصود (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) بيان للاحزاب المكذّبين المنكرين وبيان لانهزامهم بالتّلويح (ذُو الْأَوْتادِ) سمّى به كما في الخبر لانّه كان إذا أراد ان يعذّب أحدا بسطه في الأرض على وجهه وأوتد يديه ورجليه بأربعة أوتاد في الأرض وربّما