النّاس يقدّمون امر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يقدّمون أمرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزوجل، والمقصود من نقل هذا الخبر تنبيه نفسي وجملة الغافلين وتذكرة إخواني وجملة الطّالبين بانّ تقديم امر الله على امر النّاس يعنى على امر نفس العامل فانّه من جملة امر النّاس لا اختصاص له بأئمّة الهدى فقط ، بل كلّ فرد من افراد النّاس امام لأهل مملكته وكلّ فعل يصدر منه امّا المنظور فيه امر الله وحكمه قبل النّظر الى امر نفسه وحكمها أو المنظور فيه امر نفسه وحكم نفسه قبل النّظر الى امر الله وحكمه ، فان كان الاوّل كان إماما يهدى بأمر الله لأهل مملكته قبل أمر نفسه ، وان كان الثّانى كان إماما يدعو لأهل مملكته الى النّار ، مثلا إذا كان لك شريك في قصعة ثريد وكنت جائعا ولم يكن الثّريد كافيا لك ولشريكك أو كان في القصعة شيء لذيذ ولم يكن اللّذيذ كافيا لكما وكان أرادتك ان لا تأكل أزيد من شريكك بل تريد ان تأكل مساويا له أو اقلّ بان تؤثره على نفسك ولم يكن مقصودك المرائاة أو التّمدّح أو غير ذلك من أغراض النّفس كنت من القسم الاوّل ، وان لم تكن كذلك كنت من القسم الثّانى ، فأوصيكم إخواني ونفسي بعدم الغفلة عن ذكر الله عند فعالكم فانّكم ان تكونوا متذكّرين لله عند الفعال أمكن لكم تذكّر امر الله وتقديمه على امر أنفسكم والّا غلبتكم أنفسكم وقدّمت أمرها على امر الله ولذلك قيل : أعلى مراتب الذّكر تذكّر امر الله ونهيه عند كلّ فعل وترك (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) لانّ النّصر حينئذ محصور في الله وهؤلاء لا اتّصال لهم بالله بتوسّط خلفائه لانكارهم الله وخلفاءه (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) اللّعنة الطّرد من الرّحمة أو قول : اللهمّ العنهم ، وقوله تعالى في هذه الحيوة الدّنيا ان كان حالا من المفعول كان المعنى اتبعناهم طردا من الرّحمة أو لعن اللّاعنين حالكونهم في هذه الحيوة الدّنيا وهذه أوفق بمقابلة ما يأتى وان كان متعلّقا باتبعناهم أو باللّعنة أو حالا من اللّعنة كان المعنى اتبعناهم لعنة من غير تعرّض بكونهم في الدّنيا أو في الآخرة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) كناية عن عدم شمول رحمته تعالى لهم ونزول نقمته بهم يوم القيامة (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) النّبوّة والرّسالة وأحكامهما أو التّوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) مثل قوم نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب (ع) أو المراد بالقرون قوم فرعون فانّهم كانوا امما عديدة اهلكوا بالغرق (بَصائِرَ) جمع البصيرة بمعنى الحجّة فانّها ما به يبصر القلب ، وبصائر حال أو بدل من الكتاب (لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) نسب الى النّبىّ (ص) انّه قال : ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمّة ولا أهل قرية بعذاب من السّماء منذ انزل التّوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الّتى مسخوا قردة الم تر انّ الله تعالى قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) (الآية) (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) اى بجانب الجبل الّذى هو الطّور أو الوادي الّذى فيه الطّور الغربىّ منك أو من موسى (ع) فانّ الجبل على قول انّه كان في الشّام كان غربيّا بالنّسبة الى مكّة والمدينة وبالنّسبة الى مصر ومدين ، أو المعنى وما كنت بجانب الطّرف الغربىّ من الطّور (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) انهينا اليه امر النّبوّة حين استنبئناه بعد الرّجوع الى مصر أو امر التّوراة وألواحها حين أعطيناه في الطّور أو امر نور الولاية حين اندكّ الجبل وخرّ موسى (ع) صعقا وأهلك قومه السّبعين فانّ الكلّ من الاخبار المغيبات الّتى لا تعلم الّا بطريق الوحي أو اخبار من شاهدها (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) لها حتّى تعلمها بالشّهود (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا) اى لكنّا أوحيناها إليك فتعلمها كما هو وليس من شهودك ولا من السّماع ممّن يشهدها ولا من اخبار من يخبرها صحيحا لانّا انشأنا (قُرُوناً) امما كثيرة متتابعة (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فلم يبق ممّن شهدها أحد ولم يبق ممّن اطّلع عليها من طريق الاخبار الصّحيحة أحد حتّى يخبرك بها ، ولم يبق الاخبار على صحّتها بل تغيّرت وانحرفت فلم يكن علمك بها صحيحا الّا من طريق الوحي فالمستدرك في الحقيقة هو وحي تلك الاخبار فحذف وادخل اداة الاستدراك على علّة إثبات