وبالجملة الملح وما يشبهه من النوشادر المحلولان (١) كالمياه الجارية مع أنّا لا نشكّ في وجود أرضية كثيرة هناك ولذلك يعقدها أدنى حرارة.
لأنّا نقول : الأجزاء الرطبة إن كانت مغلوبة في المقدار فكيف صارت غالبة عند الانحلال (٢)؟ وإن كانت متساوية معادلة لكنّها كانت مغلوبة في الظاهر وجب أن تكون غالبة في الباطن ، وليس الأمر كذلك. وممّا يقرّب ذلك أنّ كثيرا من الأجسام تقع في المالح فتصير ملحا ، ثمّ إنّ الملح ينحل بالرطوبة ويصير ماء زلالا.
وأمّا انقلاب الأرض نارا ، فلأنّ الحطب الرطب يعصي على النار ولا يحترق بسرعة ويجتمع منه دخان كثير وذلك هو الأجزاء العاصية منه ، وإذا كان يابسا لم يدخن أو دخن قليلا.
وليس يمكن أن يجعل السبب فيه كون الأرضية في الرطب أكثر فلا جرم الثقيل الذي يصعده الحر من الرطب أكثر والهوائية في اليابس أكثر ، فلا جرم الثقيل الذي يصعده الحر من الرطب أكثر.
لأنّا نقول : ربّما كان اليابس أقلّ لعلمنا (٣) أنّ سبب ذلك كون انقلاب الأرض إلى النار أسهل من انقلاب الماء إليه ، لأنّ الماء في غاية البعد عن النار. وأيضا البلسان (٤) يستحيل دفعة واحدة نارا وليس ذلك إلّا لاستحالة كلّ ما فيه من العناصر.
__________________
(١) في النسخ : «المحلولين» ، أصلحناها طبقا للسياق.
(٢) ولم يحدث شيء. الشفاء ، الكون والفساد ، ص ١٠٥.
(٣) في المباحث : «أثقل فعلمنا» ، ص ٧٠٦.
(٤) في الشفاء : «دهن البلسان». والبلسان : شجر لا يعرف اليوم نباته إلّا في مصر خاصة ، في الموضع المعروف منها بعين شمس ... وهي تشبه السّذاب ، لونها أبيض ، أجود دهنها الطريّ الذكي الرائحة وعودها حار يابس في الثانية ، ودهنها أقوى ، وهي نافعة من عرق النساء والتشنج ... ويجلو ظلمة البصر ....» الغساني التركماني ، المعتمد في الأدوية المفردة : ٣٢ ـ ٣٣.