وقوله : «باستعداده الأوّل» فائدته أنّ الشيء قد يكون له استعدادان سابق ولاحق ، ولا يكون الشيء الذي ينحوه ذلك الشيء باستعداده الثاني خيرا بالقياس إلى ذاته ، بل يكون خيرا بالقياس إلى ذلك الاستعداد الطارئ ، كالانسان فإنّه مستعدّ في فطرته لاقتناء الفضائل ، ثم إذا طرأ عليه ما أعدّه لاقتناء الرذائل قصدها بحسب الاستعداد الثاني ، ولا تكون هي خيرا بالقياس إلى ذاته مع الاستعداد الأوّل. وكل لذة فإنّها تتعلق بكمال خيري وبادراك له من حيث هو كذلك.
ثم إنّ الشيخ اعترض على نفسه بأنّ «من الكمالات ما لا يلتذّ به كالصحة ، فلا يتلذّذ بها ما يلتذ بالحلو وغيره».
وأجاب بأنّ «الشرط كان حصولا وشعورا جميعا. ولعل المحسوسات إذا اشتدت (١) لم يشعر بها. على أنّ المريض والوصب (٢) يجد عند الثؤوب (٣) إلى الحالة الطبيعية مغافصة (٤) غير خفي التدريج لذة عظيمة.
واللذيذ أيضا قد يصل فيكره ، كما أنّ بعض المرضى يكره الحلو فضلا عن أن لا يشتهي اشتهاء شائقا. وليس ذلك طاعنا فيما سلف ؛ لأنّه ليس خيرا في تلك الحال فإنّ الحس لا يشعر به من حيث هو خير.
فإن أردنا الاستظهار في التحديد قلنا : اللذة هي ادراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك ولا شاغل ولا مضاد للمدرك. فإنّه إذا لم يكن سالما فارغا أمكن أن لا يشعر بالشرط. أما غير السالم ، فكما في عليل المعدة
__________________
(١) في المصدر : «استقرت».
(٢) الوصب : المرض الطويل. يقال : وصب الشيء أي دام. قوله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) نفس المصدر : ٣٤٢.
(٣) الرجوع إلى الشيء بعد الذهاب عنه. المصدر نفسه.
(٤) المغافصة : الأخذ على غرّة. المصدر نفسه.