الحكمة العملية هنا ملكة تصدر عنها الأفعال المتوسطة بين أفعال الجربزة والغباوة. وإذا قلنا : من الحكمة ما هو نظري ، ومنها ما هو عملي ، لم نرد به الخلق ، فإنّ ذلك ليس جزءا من الفلسفة ، بل نريد معرفة الإنسان بالملكات الخلقية بطريق القياس ، أنّها كم هي؟ وما هي؟ وما الفاضل منها وما الرديء؟ وأنّها كيف تحدث من غير قصد اكتساب؟ وأنّها كيف تكتسب بقصد ومعرفة السّياسات المنزليّة والمدنيّة؟ وبالجملة المعرفة بالأمور التي إلينا (١) أن نفعلها.
وهذه المعرفة ليست غريزية ، بل متى حصلناها كانت حاصلة لنا من حيث هي معرفة وإن لم نفعل فعلا ، وإن لم نتخلّق بخلق فلا تكون أفعال الحكمة العملية الأخرى موجودة ، ولا أيضا الخلق ، وتكون لا محالة عندنا معرفة مكتسبة يقينية.
والحاصل أنّ الحكمة العملية قد يراد بها العلم بالخلق ، وقد يراد بها نفس الخلق ، وقد يراد بها الأفعال الصادرة عن الخلق ، فالحكمة العملية التي جعلت احدى الفضائل الخلقية الثلاثة هي نفس الخلق. وأيضا فالحكمة العملية بالمعنى الثاني أو الحكمة العملية بالمعنى الأوّل ليس علما بهذا الخلق فقط ، بل وبسائر الأخلاق من الشجاعة والعفة وبالسياسات أيضا ، فظهر الفرق بين البابين.
__________________
(١) في المباحث المشرقية : «لنا».