وأوجبت الأشاعرة اقتران القدرة بالفعل ، ومنعوا من تقدمها عليه. واستبعده الشيخ في إلهيات الشفاء كل الاستبعاد ، وقال :
«لعل القائل بهذا القول كأنّه يقول : القاعد لا يقوى على القيام ، أي لا يمكن في جبلّته أن يقوم ما لم يقم ، وكيف يقوم ، بل هذا القائل لا محالة غير قوي على أن يرى وعلى أن يبصر في اليوم الواحد مرارا كثيرة ، فيكون بالحقيقة أعمى» (١).
قال أفضل المتأخرين : «ليس هذا الاستبعاد عندي في موضعه ؛ لأنّا فسرنا القوة بأنّها مبدأ التغير ، فهذا المبدأ إن كانت جهات مبدئيته كاملة وجب أن يوجد معه الأثر واستحال تقدمه على الأثر ، وحينئذ يصح قولنا : إنّ القوة مقارنة للفعل. وإن لم توجد كاملة ، بل فقد أمر من الأمور المعتبرة في المبدئية والإيجاد لم يكن ذلك الموجد تمام المؤثر ، بل بعضه ، فلم يكن الموجود هو القوة على الفعل ، بل بعض تلك القوة.
نعم لا شك أنّ الكيفية المسماة بالقدرة حاصلة قبل الفعل وبعده ، ولكنها بالحقيقة ليست هي تمام القوة على الفعل ، بل أحد أجزاء القوة.
(وبالجملة فالقدرة إن أريد بها القوة الجامعة لجميع جهات المؤثرية فهي غير متقدمة ، وإن أريد بها القوة العقلية (٢) التي تؤثر عند انضمام الإرادة الجازمة إليها فهي متقدمة.) وإذا أمكن تأويل كلام القوم على الوجه الذي فصلناه ، فأي
__________________
(١) الفصل الثاني من المقالة الرابعة من إلهيات الشفاء : ٣٨٣.
وقد أورد المصنّف المثال الأوّل في ابطال قول الأشاعرة وقال : «الضرورة قاضية ببطلان هذا ، فانّ القاعد يمكنه القيام قطعا» كشف المراد : ٢٤٨.
(٢) ق : «الفعلية». ولعل الصحيح : «العضليّة».