روحه ـ عن معنى قولهم : هذا الحكم صادق لأنّه مطابق لما في نفس الأمر. ويذكرون ذلك في الأحكام التي لها في الخارج ما يطابقها كقولنا : الكل أعظم من الجزء ، وما لا يكون كقولهم : اجتماع النقيضين محال ، وشريك الباري ممتنع ، والخلاء محال ، مع انّه لا وجود لهذه الأشياء في الخارج ، مع جزمهم تارة بأنّ الأحكام الصادقة ما يطابق الخارجي وتارة ما يطابق ما في نفس الأمر. ولما انتفى وجود هذه الأشياء في الخارج لم يبق للأوّل اعتبار فيها ، بل للثاني. فما المراد بنفس الأمر حينئذ حيث انتفى عنها الوجود الخارجي حتى يكون الصدق باعتبار التطابق بينه وبين الذهني؟ ويجزمون أيضا بأنّ ما يعتقده الجهال بخلاف ذلك ، أنّه ليس بصادق ؛ لأنّه ليس مطابقا لما في الخارج ولا لما في نفس الأمر ، كما لو اعتقد معتقد إمكان الشريك واجتماع النقيضين ووجود الخلاء.
فأجاب ـ قدس الله روحه ـ : بأنّ المراد بنفس الأمر هو : العقل الأوّل ، لأنّ المطابقة لا تتصور إلّا بين متغايرين ولو بالشخص ، ولا بدّ من اتحادهما فيما به التطابق. ولا شك في أنّ الأحكام الصادقة والأحكام الكاذبة معا تتشاركان في الثبوت الذهني ، لكن يجب (١) أن يكون للصنف الأوّل وجود خارج عن أذهاننا بحيث تعتبر المطابقة بين ما في أذهاننا وبينه وهو المراد بنفس الأمر. وذلك الثابت ليس قائما بنفسه ، وإلّا لزم القول بالمثل الافلاطونية فيكون قائما بغيره مجرد عن المادة وعلائقها ، وإلّا لكانت الصور المنطبعة فيه محسوسات لا كليات. وتثبت فيه تلك الأشياء بالفعل لامتناع المطابقة بالفعل بين ما هو بالفعل وبين ما هو بالقوة. وأيضا لا يمكن أن يزول ، أو يتغير ، أو يخرج إلى الفعل بعد ما كان بالقوة ، ولا في وقت من الأوقات ، لأنّ الأحكام المذكورة ثابتة دائما غير متغيرة في وقت من الأوقات ، فإنّه لا وقت من الأوقات يرتفع فيه الحكم بامتناع اجتماع النقيضين ،
__________________
(١) ق : «لا يجب».