فإذن القول : بأنّ البسائط لا يصح تعقلها ، يوجب أن لا يعقل الإنسان شيئا أصلا بالحد ولا بالرسم ، لكن التالي ظاهر البطلان ، فالمقدم مثله.
وقوله : «لو عرفنا ماهية الشيء لعرفنا جميع لوازمها».
فنقول : هب أنا لا نعرف حقيقة شيء من الملزومات ، لكن الكلام في البساطة هل تمنع من المعقولية؟ فلقلنا (١) لا نعرف حقيقة الملزومات ، لكنا نعرف لوازمها البسيطة ، وقد بيّنا أنّ العلم بالمعلول لا يوجب العلم بالعلة.
وفيه نظر ، لأنّ البسائط إذا كانت معلومة باعتبار لوازمها كانت معلومة على الإطلاق ، والمركبات إذا حدّت إنّما تحدّ ببسائطها المعلومة بذاتها من غير اكتساب أو بلوازمها ، وتكون المركبات محدودة ، لأنّها عرفت بذكر بسائطها وإن لم تكن البسائط محدودة ولا معلومة الحقائق ، بل ببعض الاعتبارات. ولا يثلم عدم الإحاطة بكنه تلك البسائط في صحة التحديد بها ، وأن يكون المركب منها حدا للمركب منها في نفس الأمر ، فانّه لا يشترط في الحدّ إلّا العلم بالأجزاء مطلقا ، لا العلم بها على سبيل الحقيقة والإحاطة بماهياتها ، فإذا حددنا السكنجبين بأنّه شراب متخذ من الخل والسكر عرفنا حقيقته وإن لم نعرف تركب كل من الخل والسكر من المادة والصورة أو من الجواهر الأفراد.
تذنيب (٢) : من المعلومات ما يكون وجودها في غاية القوة ، وهو الطرف والغاية لما يفرض امتدادا في مسافة الإمكان ، وهو واجب الوجود تعالى وتقدس. وتتلوه الجواهر العقلية المفارقة عند الأوائل والجواهر الروحانية. ومنها ما يكون وجوده في غاية الضعف ، وهو كالطرف الآخر المقابل للأوّل حتى يكون كأنّه مخالط للعدم كالهيولى والزمان والحركة. ومنها ما يكون متوسطا بين الأمرين
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي المخطوطة : «فلعلّنا».
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٠٠ ـ ٥٠١.