العلم برجحان وجوده على عدمه ، ولكنّه لا يمنع من حصول العلم بذلك الرجحان.
فإن قلت : إذا كان العلم بتلك الماهية لا يقتضي العلم بذلك الرجحان فمن أين حصل العلم بالرجحان؟
قلنا : أنت المستدل فعليك دليل النفي
لأنّا نقول : العلم بالكتابة لا يوجب العلم بالكاتب ، بل يوجب العلم باحتياج الكتابة إلى الكاتب ، واحتياج الكتابة إلى الكاتب حكم لاحق للكتابة لازم لها معلول لماهيتها ، فيكون ذلك في الحقيقة استدلالا بالعلّة على المعلول. ثمّ إنّ العلم بحاجة أمر إلى أمر لمّا كان مشروطا بالعلم بكلّ واحد من الأمرين صار الثاني معلوما ؛ لضرورة حصول العلم بالإضافة إليه.
فأمّا الاعتقاد الحاصل لا من جهة السبب ، ولو كان في غاية القوّة إلّا أنّه ليس يمتنع التغيّر ، بل هو في معرض التغيّر والزوال ، لأنّه ليس ملتفتا إليه من جهة سببه فيكون ممكن التغير.
وأمّا الشيء الذي يكون غنيا عن السبب فإمّا أن يكون العلم به أوّليّا أو لا ، ثمّ يحصل العلم به البتة ، أو لا يكون إليه طريق إلّا بالاستدلال عليه بأمارة ، وحينئذ لا يمكن معرفة حقيقته كواجب الوجود الذي هو البرهان على الكلّ ، وليس شيء غيره يكون برهانا عليه ، كما ورد في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (١) ، وقال أيضا : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) (٢) ، وقال تعالى :
__________________
(١) آل عمران / ١٨.
(٢) الأنعام / ١٩.