فهو كذا ، بل ولا ما وجد أو سيوجد ، بل كل ما لو وجد وفرضه العقل من جملة أفراد ماهية الموضوع ، فإنّ المحمول صادق عليه سواء وجد في الماضي ، أو يوجد في المستقبل ، أو لا يتحقق له وجود البتة. ومعلوم قطعا أنّ هذا ممّا لا يناله الحس البتة ، ولا يمكن وقوع الإحساس به. فإذن الحس لا معونة له على إعطاء الكليات أصلا. ولأنّ الحس في معرض الغلط على ما يأتي ، فلا يبقى لنا وثوق بما يعطيه من الكليات.
والأوّل باطل ، وهو أنّ الحس معتبر في الجزئيات ؛ لأنّه في معرض الغلط ، وإذا كان في معرض الغلط لم يكن مجرّد حكمه مقبولا.
بيان الأوّل من وجوه : (١)
أ : أنّ البصر قد يدرك الصغير كبيرا ، كما يرى النار البعيدة في الظلمة عظيمة ، وكما يرى العنبة في الماء كالاجاصة ، وكما إذا قرّبنا حلقة الخاتم إلى العين فإنّا نراها كالسّوار. وقد يدرك الكبير صغيرا كالأشياء البعيدة غير النار ، كالكواكب ، فإنّ قدر الشمس أضعاف قدر الأرض.
اعترضه أفضل المحققين : بأنّ الحس إدراك بآلة فقط ، والحكم تأليف بين مدركات الحس أو بغير الحس ، على وجه يعرض للمؤلّف لذاته إمّا الصدق أو الكذب ، واليقين حكم (٢) على الحكم الأوّل بالصدق على وجه لا يمكن أن يزول. وليس من شأن الحس التأليف الحكمي ؛ لأنّه إدراك (٣) فقط ، فلا شيء من الأحكام بمحسوسة أصلا ، فإذن كلّ ما هو محسوس لا يمكن أن يوصف من حيث كونه محسوسا بكونه يقينيا أو غير يقيني ، أو حقا أو باطلا ، أو صوابا أو
__________________
(١) انظر الوجوه في كلمات الرازي في نقد المحصل : ١٤ وما يليها.
(٢) في المصدر : «حكم ثان».
(٣) في المصدر : «ادراك بآلة».