ب : لو كانت الحركة سابقة على الحرف لكان المتكلم بالحركة غنيا عن التكلم بالحرف ، لأنّ السابق غني عن المسبوق ، لكن التكلم بالمصوت ابتداء محال ، فهو غير سابق.
واحتج ابن جنّي (١) بوجهين آخرين :
الأوّل : الحركة حالة في الحرف ، والحالّ متأخر عن المحل.
الثاني : لو كانت الحركة سابقة على الحرف لصحّ (٢) الإدغام ، والتالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ الإدغام إنّما يصحّ بحرفين أوّلهما ساكن والثاني متحرك ، فلو كانت حركة الحرف الثاني سابقة لكانت تلك الحركة متخلّلة بينه وبين الأوّل ، فلا يقع الطرفان في آن واحد ، فلا يكون الإدغام حاصلا ، لكن الإدغام حاصل بالحس.
واعترض (٣) على الأوّل : ببطلان الصغرى ؛ لأنّ الصامت البسيط آني والحركة زمانية حاصلة بعد مضي هذا الصامت ، فكيف يوجد فيه. والكبرى ؛ لأنّ تقدم المحل على الحال تقدم عقلي لا زماني ، والمطلوب هنا التقدم الزماني.
وعلى الثاني : لا نسلّم أنّه لو لم تقع الحركات في آن واحد لم يحصل الإدغام ؛ لأنّ حصول الحرفين المتماثلين في المخرج الواحد دفعة واحدة جمع بين المثلين وهو محال ، ولا يجوز أن يتوقف عليه الإدغام الذي ليس بمحال.
__________________
(١) عثمان بن جنّي الموصلي ، أبو الفتح : من أئمّة الأدب والنحو ، ولد بالموصل وتوفّي ببغداد سنة ٣٩٢ ه. من تصانيفه : شرح ديوان المتنبي ، شواذ القراءات ، اللمع في النحو وغير ذلك وهو كثير.
الاعلام للزركلي ٤ : ٢٠٤.
(٢) نهاية العقول : «لما صح».
(٣) والمعترض هو الرازي في المصدر نفسه.