لا تكون وجودية.
وقيل (١) : لو كانت الرطوبة على تفسيرهم وجودية فالأشبه أنّها غير محسوسة ، لأنّ الهواء رطب بذلك المعنى ، فلو كانت محسوسة لكان يجب أن يكون الهواء المعتدل الذي لا حرّ فيه ولا برد ولا حركة له مدركا باللمس ، لرطوبته ، ولو كان كذلك لكان الهواء دائما محسوسا ، فلا يقع شك في أنّ الفضاء الذي بين السماء والأرض ملاء لا خلاء. ولمّا لم يكن كذلك عرفنا أنّ الرطوبة على تفسيرهم غير محسوسة. ولو عنينا بها الكيفية التي معها يكون الجسم سهل الالتصاق فهي محسوسة وجودية. وقد اختلف قول الشيخ ، ففي «القانون» أنّها غير محسوسة ، ولعلّه أراد بذلك سهولة قبول الأشكال. وفي كتاب «النفس» (٢) أنّها محسوسة ولعله أراد الرطوبة بمعنى سهولة الالتصاق (٣).
والتحقيق أن نقول : الرطوبة قد تطلق على البلّة ، وهي المعنى المتعارف عند الجمهور ، وقد تطلق على تقبل الانعطاف والميل بسهولة كالأغصان. وفيما ذكروه أوّلا نظر ، فإنّ جعل الرطوبة أمرا عدميا باطل ، لأنّ الحسّ يفرّق بينها وبين اليبوسة ، وعدم المنع من قبول الشك أمر مبدؤه الرطوبة لا نفس الرطوبة. والرطوبة إذا فسّرت بأمر عدمي افتقرت إلى محل وجودي يقوم به ؛ لأنّها حينئذ تكون عدم ملكة ، وأعدام الملكات يفتقر إلى محالّ ملكاتها. وقابلية الأشكال ليست نفس الرطوبة ، بل الرطوبة كيفية بها يقبل الجسم الأشكال بسهولة ، والقبول وإن كان لازما لطبيعة الجسم ، لكن كونه بسهولة ليس لذاته ، بل بواسطة الرطوبة.
__________________
(١) ذكره الشيخ في ضمن الشكوك في الفصل العاشر من نفس المصدر.
(٢) طبيعيات الشفاء ، الفصل الثالث من المقالة الثانية من الفن السادس.
(٣) المباحث المشرقية ١ : ٣٩١ ـ ٣٩٢. وسبب الترجّي إشعار عبارة الشيخ بذلك.