وذهبت طائفة أخرى (١) : إلى أنّ التقدّم يقال على البعض بمعنى واحد ، وعلى الباقي بالاشتراك أو التجوّز. أمّا الذي يقع عليه بمعنى واحد ففي التقدّم بالذات. وأمّا الذي يقع عليه بالمجاز فكالتقدّم الزماني ، فإنّ الشيئين إنّما يتقدّم أحدهما على الآخر بالزمان لأجل تقدّم زمان أحدهما على الآخر لا بحسب ذاتيهما ـ وذهب قوم (٢) : إلى أنّ التقدّم بين أجزاء الزمان بعضها على البعض تقدّم (٣) طبيعي ، إذ المتقدّم علّة للمتأخّر فيرجع تقدّم الشيئين بالزمان إلى التقدّم بالطبع ـ ويقال «التقدّم» لهما (٤) بالمجاز. وكذلك التقدّم بالرتبة، فإنّ بغداد متقدّمة على البصرة لا باعتبار ذاتيهما ولا حيّزيهما ومكانيهما ، بل باعتبار القاصد من خراسان إلى البصرة فإنّه يقصد بغداد أوّلا ، ومعنى قصده أوّلا ، أنّ زمان وصوله إليها قبل زمان وصوله إلى تلك ، فيرجع هذا التقدّم إلى التقدّم الزماني (٥). وأمّا التقدّم بالشرف ، فإنّه لا يخلو عن تجوّز أو اشتراك ، فإنّ معنى تقدّم صاحب الفضيلة وجوب تقدّمه في المناصب ، فالفضيلة سبب لتقدّمه في المجالس ، وأطلق عليها لفظ التقدّم (٦) إطلاق اسم المسبّب على السبب ، فيكون مجازا من هذه الجهة ، ويرجع إلى التقدّم المكاني الذي يرجع إلى الزماني. وإن لم يعتبر (٧) هذا المعنى في التقدّم الشرفي كان إطلاقه عليه وعلى الذات بالاشتراك (٨).
__________________
(١) منهم صاحب الإشراق في المطارحات ، الأسفار ٣ : ٢٦١.
(٢) ومنهم صاحب الإشراق في المطارحات.
(٣) ق : «بعدم».
(٤) ق : «بهما» ، وفي الأسفار نقلا عن المطارحات : «وأمّا بين الشخصين فمجازي».
(٥) لأنّه متعلق بالزمان وللزمان دخل فيه.
(٦) م : «المتقدم».
(٧) م : «يغير».
(٨) قال صدر المتألهين «أقول : فيما ذكره موضع أنظار» ، الأسفار ٣ : ٢٦٣ ـ ٢٦٦.