ولم يقطع الانسانيّة ولم يفن اناسىّ وجوده لم يرض بقتل نفس ، فالقاتل قتل النّاس جميعا في وجوده وقتل نفسا بعده في الخارج ، ومن قتل النّاس جميعا في وجوده كان كمن قتل النّاس جميعا في الخارج ، وأيضا من قتل نفسا كان قد قتل وقطع ربّ النّوع في وجوده ، ومن قتل ربّ النّوع كان كمن قتل النّاس جميعا ، وأشير في الخبر الى وجه آخر ، وهو انّ في جهنّم لواديا من قتل نفسا واحدة ينتهى اليه ، ومن قتل جميع النّاس لا يتجاوزه (وَمَنْ أَحْياها) بانجائها من الهلاك الطّبيعىّ أو دعوتها الى هداية وإحيائها بالحيوة الانسانيّة الايمانيّة (فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) لانّ احياء النّاس لا يكون الّا إذا صار قابيل وجوده مبدلا في وجوده وصار جميع جنوده احياء بحيوة العقل (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) اى المعجزات أو احكام الشّريعة القالبيّة أو الدّلائل الدّالّة السمعيّة والعقليّة على هذا الحكم والتّغليظ فيه (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) من بنى إسرائيل (بَعْدَ ذلِكَ) اى بعد مجيء الرّسل بالبيّنات أو بعد هذا الحكم أو بعد هما (فِي الْأَرْضِ) ارض العالم الصّغير أو الكبير (لَمُسْرِفُونَ) متجاوزون عن حدود الله بسفك الدّماء واستحلال المحارم وغيرها كما في الخبر ولمّا ذكر القتل وبالغ في ذمّ من ارتكبه صار المقام مقام ان يسأل : ما حال من حارب أولياء الله (ع)؟ ـ فقال تعالى جوابا لهذا السّؤال (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) بمحاربة أوليائه وعباده المؤمنين (وَرَسُولَهُ) بمحاربة نفسه أو خليفته أو المؤمنين أو بقطع طريقهم أو قطع طريق من يريد الرّسول (ص) أو الامام (ع) واقلّه ان يشهر السّيف لاخافة مؤمن ويحمل السّيف باللّيل الّا ان لا يكون من أهل الرّيبة (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) مفعول مطلق ليسعون من غير فعله أو بتقدير مصدر من السّعى ، والإفساد في الأرض بقطع طريق ونهب مال وقتل نفس (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) وقد اختلف الاخبار في انّ العقوبات مخيّرة أو منوطة برأى الامام كيف شاء ، أو منوطة برأيه لكن بملاحظة الجناية ومقدارها واختياره العقوبة على قدر الجناية ، وكذا في النّفى من الأرض بأنّه إخراج من المصر الّذى هو فيه الى مصر آخر ، مع انّه يكتب الى ذلك المصر بانّه منفىّ فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه الى سنة ، أو بأنّه إغراق في البحر ، أو بأنّه إيداع في الحبس (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ليس المراد بهذه التّوبة هي الّتى بين الله وبين العبد من النّدم على المعصية واجراء لفظ التّوبة على اللّسان ، فانّه لا تعلم الّا بإقرار التّائب وإقرار الشّخص غير نافذ فيما هو له ، بل فيما هو عليه بل المراد هي الّتى تكون مناط الإسلام أو الايمان بقبول الدّعوة الظّاهرة أو الدّعوة الباطنة فانّها ليست امرا بين الله وبين العبد فقط ، بل لا بدّ فيها من قبول الرّسول (ص) أو الامام (ع) توبته والاستغفار له وأخذ الميثاق منه ، ومن استغفر الرّسول (ص) أو الامام له وقبل توبته فهو مغفور له مقبول توبته ومشهود له بالتّوبة ، لانّ الإسلام يجبّ ما قبله ، ولمّا ذكر حال المحاربين والمفسدين وانّ عقوبتهم في الدّنيا وفي الآخرة اشدّ عقوبة وانّ من تاب على يد الرّسول (ص) أو الامام (ع) وتوسّل بهما الى الله يسقط منه تلك العقوبة العظيمة ، صار المقام مناسبا لان ينادى التّائبين على يد محمّد (ص) ويحذّرهم عمّا يوجب تلك العقوبة ويرغّبهم فيما يسقطها فيقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (اتَّقُوا اللهَ) عمّا يوجب تلك العقوبة (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)