لعلىّ (ع) حين التمسه عنهم بقوله ، الا فليبلغ الشّاهد منكم الغائب ، وحين التمس علىّ (ع) عنهم بعد النّبىّ (ص) ان يؤدّوا ما سمعوا عنه ، ولكن ما وفوا بهذه الوصيّة وما ادّوا (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) مضرّا عليها فانّها احبّ الأشياء عليكم (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) فانّهم بعد الأنفس احبّ الأغيار (إِنْ يَكُنْ) كلّ واحد من الطّرفين (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) فلا تخرجوا عن الاستقامة بملاحظة انّ الفقير اولى بالانتفاع وعدم التّضرّر والغنىّ لا يتضرّر على فرض عدم وصول ماله اليه أو ينتفع الغير بما له على فرض الشّهادة عليه زورا ، أو بخيال انتفاعكم عن الغنىّ وعدم تضرّركم منه وعدم مبالاتكم بالفقير (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) فامتثلوا امره ولا تبالوا بتضرّر الفقير وعدم تضرّر الغنىّ (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) اى في العدول عن الحقّ أو بسبب العدول أو لكراهة العدل في الشّهادة (وَإِنْ تَلْوُوا) ألسنتكم بالشّهادة حين الأداء بان تغيّروها بألسنتكم وقرئ تلوا من ولى بمعنى توجّه (أَوْ تُعْرِضُوا) بكتمانها يجازكم الله بحسبه (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فأقيم السّبب مقام الجزاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ والبيعة على يد محمّد (ص) وقبول دعوته الظّاهرة (آمَنُوا) بالايمان الخاصّ والبيعة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة ، فانّ الإسلام وهو البيعة العامّة النّبويّة وأخذ الميثاق على إعطاء الأحكام القالبيّة والتّوبة على يد محمّد (ص) قد يسمّى ايمانا ، لانّه طريق اليه وسبب لحصوله ، والايمان حقيقة هو البيعة الولويّة والتّوبة على يد علىّ (ع) أو على يد محمّد (ص) من حيث ولويته وأخذ الميثاق على إعطاء الأحكام القلبيّة وإدخال الايمان في القلب ، ولذلك قال في انكار ايمان المدّعين للايمان : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ؛ فعلى هذا لا حاجة الى التّكلّفات البعيدة الّتى ارتكبها المفسّرون (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) يعنى انّ الايمان بمحمّد (ص) بقبول دعوته الظّاهرة إسلام وانقياد له وتقليد محض لا معرفة فيه ولا تحقيق ، وانّما يحصل المعرفة من طريق القلب فآمنوا بعلىّ (ع) بقبول دعوته الباطنة حتّى يدخل الايمان في قلوبكم ويفتح أبواب قلوبكم الى الملكوت فتعرفوا الله ورسوله (ص) وكتابه الجامع الّذى هو النّبوّة ، وكاملة في محمّد (ص) وصورته القرآن وناقصه كان في الأنبياء السّلف وصورته التّوراة والإنجيل والصّحف والزّبور وغيرها ، وللاشارة الى الفرق بين نبوّة محمّد (ص) ونبوّة غيره بالكمال والضّعف قال في الاوّل نزّل بالتّفعيل الّذى فيه تعمّل وفي الثّانى انزل خاليا منه وقرئ فيهما بالبناء للمفعول (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ذكرهم بالتّرتيب من المبدء الى المنتهى ، فانّ المراد بالملائكة العقول وبالكتب النّبوّات وأحكامها فانّها نزولا بعد الملائكة والرّسالة بعد النّبوّة ، والكفر بها مسبّب عن الكفر بالولاية وعدم قبول الدّعوة الباطنة ، فانّه ما لم يدخل الايمان بالبيعة على يد علىّ (ع) في القلب لا ينفتح بابه ، وما لم ينفتح بابه الى الملكوت لم يعرف شيء منها كما عرفت ولذلك أتى به بعد الأمر بالايمان بعلىّ (ع) (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) وصف بحال المتعلّق وتهديد بليغ للمنحرفين عن الولاية وعن قبول الايمان على يد علىّ (ع) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) مفهوم الآية عامّ وتنزيلها خاصّ ، فانّ المراد بها المنافقون الّذين آمنوا بمحمّد (ص) يعنى أسلموا (ثُمَّ كَفَرُوا) بتعاهدهم على خلافه في مكّة (ثُمَّ آمَنُوا) حين قبلوا قوله في الغدير وبايعوا مع علىّ (ع) بالخلافة