نفوسهم ولجاجها وكانوا يريدون بذلك ما نسبوا إنكارهم اليه وكانوا مصرّين على الإنكار عازمين عليه ولم يكونوا مريدين بها رفع شبهة أو دفع شكّ ، ومثل ذلك لا جواب له ، فان أجيب كان محض التّفضّل على السّائل كما روى انّه (ص) أجابهم عن كلّ ما قالوا ولذلك امره (ص) ان يجيبهم بترك الاجابة في صورة العجز عن الجواب فقال (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) من ان يتحكّم عليه أو يأتى بما اقترحه الجهّال عن عناد ولجاج (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) فليس لي ان آتى بمسؤلكم بنفسي أو اقترح على ربّى مثل اقتراحكم علىّ ، وقد نقل كيفيّة اجتماع المشركين على الاستهزاء به والاقتراح عليه بما يعجز عن الإتيان به توهينا له وتصغيرا لشأنه ؛ من أراد فليرجع الى المفصّلات من التّفاسير وغيرها (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) اى الرّسالة أو الكتاب السّماوىّ أو الولاية فانّ الكلّ ما به الهداية الى الله كما انّ الاوّلين (١) هداية الى الولاية أيضا (إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) يعنى الّا إنكارهم رسالة البشر لكنّه أتى بالقول اشعارا بانّ هذا الإنكار محض قول يقولون من غير اعتقاد وبرهان عليه ، ولمّا كان انكار رسالة البشر تعريضا برسالة الملك امره (ص) الله تعالى ان يقول في جوابهم انّ الملك من الملكوت ولا يظهر على الملك الّا بخرابه اختيارا أو اضطرارا فقال (قُلْ) في جواب إنكارهم رسالة البشر انّ رسول البشر لا بدّ ان يكون بشرا ليجانسهم ويأنسوا به ولا يجانسهم الملك ؛ نعم (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا) اى قل لهم يقول الله ذلك لكنّه حذف القول لإيهام انّ قول الرّسول وفعله قول الله وفعله (عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً قُلْ) بعد لجاجهم وعنادهم معرضا عنهم متّكلا على ربّك (كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) هذا من جملة المحكىّ بالقول أو مستأنف من الله وكذا قوله (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) يعنى ليس الاهتداء بكثرة السّؤال والاقتراح انّما هو امر الهىّ لمن يشاء من عباده لا اختيارىّ باختيار العبد وحيلته (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) يعنى منكوسا أرجلهم من فوق ورؤسهم من تحت (عُمْياً) مطلقا أو عن رحمة الله وفضله (وَبُكْماً وَصُمًّا) مطلقا أو عمّا ينفعهم (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) توقّدا (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) وأصل الآيات وأعظمها علىّ (ع) وأنكروا الآخرة والمعاد (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وقد اعترفوا بإبدائه خلق السّماوات والأرض (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) فانّهم وأمثالهم أسهل خلقا من السّماوات والأرض ، والاعادة أسهل من الإبداء ، ويؤيّد هذه الآية قول من يقول : انّ الاعادة وان كانت بأشخاصهم بعينها لكنّها بأبدانهم بأمثالها بوجه (وَجَعَلَ لَهُمْ) لأنفسهم أو لأمثالهم بحسب الاعادة أو بحسب الحيوة الدّنيا أو بحسب المكث في البرازخ قبل القيامة (أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ) بعد وضوح الأمر (إِلَّا كُفُوراً) بالتّوحيد أو بك أو بعلىّ (ع) (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) رحمة الرّبّ هي الولاية وسائر النّعم الظّاهرة والباطنة تسمّى رحمة باتّصالها بالولاية وإذا لم تتّصل بالولاية تكون سخطا ونقمة
__________________
(١) الرّسالة والكتاب السّماوى.