ضدّ النّهى ؛ ويكون المعنى امرناهم تكوينا بالفسق (فَفَسَقُوا فِيها) أو يكون المعنى امرناهم تكليفا بالعبادات ففسقوا ، ويجوز ان يكون امرّنا بتشديد وآمرنا من باب الأفعال من امر بتثليث العين بمعنى صار أميرا ويكون المعنى جعلنا مترفيها ولاة عليها ففسقوا ، وتخصيص المترفين على المعاني الاول لانّ غيرهم ينظرون إليهم فيتّبعونهم ولانّهم اقدر وأسرع من غيرهم الى الفجور ، ولانّهم افرغ قلبا واجرأ فيكون حيلتهم في ارتكاب الفجور أكثر وأنفذ (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) بنزول العذاب والإهلاك بعد فسوقهم (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) قيّده ببعد نوح لانّ القرون الّتى كانت قبله لم يكن فيهم ما كان فيمن كان بعده ، أو لانّ ما كان فيهم لم يصل إلينا كما وصل ما كان فيمن كان بعده يعنى أهلكنا كثيرا من بعد نوح فلا نبالى باهلاك الفاسقين منكم (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) فلا تجترئوا على الّذنوب لعلم الله بها ومؤاخذته عليها (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) الحاضرة وهي الدّنيا ونعيمها بان كان إرادته في اعماله متعلّقة بها (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) بدل من له بدل البعض ، وتقييد التّعجيل للاشارة الى انّ ذلك منوط بمشيّة الله لا بإرادة المريد وهمّه على ما يريد وليس كلّ مريد يصل الى مراده ولا من يصل يصل الى تمام مراداته (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) مطرودا ، عن النّبىّ (ص) معنى الآية : من كان يريد ثواب الدّنيا بعمل افترضه الله عليه لا يريد به وجه الله والدّار الآخرة عجّل له ما يشاء الله من عرض الدّنيا وليس له ثواب الآخرة (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) اللّائق بها لا السّعى الّذى زعموه بآرائهم انّه سعيها ، وجعل القرينتين مختلفتين في الشّرط والجزاء للاشعار بانّ استحقاق العذاب انّما هو بصيرورة ارادة العاجلة سجيّة لا بإرادة ما واحدة جزئيّة واستحقاق الثّواب انّما هو بإرادة واحدة جزئيّة وسعى واحد بشرط الايمان والى هذا المعنى أشار تعالى بقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ، وللاشعار بانّ استتباع صور الأعمال الحسنة لتعجيل خيرات الدّنيا عرضىّ محتاج الى الجعل بخلاف استتباعها لغاياتها (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) قيّده بالايمان وهو الولاية الّتى تحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة لانّ العمل بدون الولاية لا اثر له ولا فائدة فيه كما ورد : لو انّ عبدا عبد الله تحت الميزاب سبعين خريفا قائما ليله صائما نهاره ولم يكن له ولاية ولىّ امره لأكبّه الله على منخريه في النّار (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) مجزيّا عليه (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) بدل تفصيلىّ من كلّا (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) المضاف وهو الولاية المطلقة أو هو التفات من التّكلّم الى الغيبة أو هو استيناف خبر مبتدء محذوف كأنّه قيل : من اىّ شيء كان الأمداد ، من استحقاقهم أو من فضل الله؟ ـ فقال : ذلك من عطاء ربّك (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ) من القوى والمدارك وما يحتاج المحسن والمسيء اليه من الأرزاق والملبوس والمسكون والأسباب الّتى يتوسّل بها الى التّعيّش والأعمال الحسنة والسّيّئة (مَحْظُوراً) منهما (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) لتتنبّه للتّفاضل في الآخرة (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) يعنى أكثر درجات أو أعظم درجات بحسب أنفسها من درجات الدّنيا (وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) بالاضافة الى تفضيل درجات الدّنيا (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ) الخطاب عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب أو خاصّ به (ص) في اللّفظ على ، ايّاك اعنى واسمعي يا جارة أو على طريق سريان خطاب المتبوع الى الاتباع ، أو سريان خطاب الكلّ الى الاجزاء يعنى لا تجعل مع الله في الآلهة أو العبادة أو الطّاعة أو الوجود ، أو لا تجعل مع الله بحسب مظاهره الّذين هم مظاهر الولاية (إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ)