الغرض من تفصيل الكتاب نهيكم عن عبادة غير الله وأمركم بالاستغفار والتّوبّة (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) امّا من كلام الله ولا إشكال أو من كلام الرّسول (ص) حكاه الله كأنّه قال : فبلّغه رسولنا (ص) فقالوا : ما أنت وذاك؟ ـ فقال : انّنى لكم من جانب الله نذير من موجبات سخطه وبشير برحمته (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) اعلم ، انّ اللّطيفة الانسانيّة السّيّارة الّتى يعبّر عنها بالرّوح خلق الله الأرواح قبل لا بدان بألفي عام وقد يعبّر عنها بالامانة عرضنا الامانة على السّماوات والأرض وقد يعبّر عنها بالإنسان وبفطرة الله وبقيّة الله وغير ذلك من الأسماء نزلت من عالم القدس ، ومقام الأسماء على الصّراط المستقيم الى عالم الطّبع فصارت جسما وعنصرا وجمادا ونباتا وحيوانا وإنسانا الى ان بلغ أو ان البلوغ وحدّ الانسانيّة ، وكان عوده الى ذلك المقام على الصّراط المستقيم بمحض تسبيبات الهيّة من غير مدخليّة لاختياره ، وفي هذا المقام يصير برزخا بين عالمي الجنّة والملائكة ويصير مختارا مريدا لخيراته نافرا عن شروره مميّزا لهما ، فان ساعده التّوفيق وصار اختياره موافقا لفطرته سلك باختياره على الصّراط المستقيم الى الله ، وان لم يساعده التّوفيق وصار اختياره مخالفا لفطرته وموافقا لمراد الشّيطان رجع عن الصّراط المستقيم الى دار الجنّة ومهوى الجحيم ، فان تنبّه وتذكّر ان سلوكه كان الى الجحيم وانّ كلّما فعله في هذا السّلوك كان موذيا للطيفته الانسانيّة صار حاله مثل من وقع في سجن ضيق مملوّ من العذرات والجيف المنتنة والحشرات الموذية مستدعيا من السّجّان ستر تلك ما لم يتخلّص من السّجن وهذا استغفاره من السّجّان ، فاذا وجد مهربا فرّ منه وهذا الفرار توبة عامّة اى التّوبة من المعصية ثمّ إذا وجد دليلا يدلّه على الطّريق أو على المقصد فرّ الى طريق المقصد أو الى المقصد وهذا الفرار توبة خاصّة الى التّوبة الى الله وهذه التّوبة لا تتصوّر الّا على يد نبىّ (ص) وتكون اسلاميّة ، أو على يد ولىّ وتكون ايمانيّة ، وللتّوبة الاسلاميّة الّتى يحصل بها الإسلام وكذا للتّوبة الايمانيّة الّتى يحصل بها الايمان شرائط وآداب وعهود ومواثيق كانت مقرّرة عندهم فقوله تعال : استغفروا ربّكم ؛ خطاب لمن وقع في سجن الطّبع يعنى اطلبوا ايّها الواقعون في سجن الطّبع من ربّكم ستر عذرات الهوى وجيف الشّبه وموذيات الغضبات والشّهوات ما لم تجدوا فرصة ومهربا من السّجن ، حتّى لا تفسد دماغكم بنتنها ولا تفسد فطرتكم الانسانيّة ثمّ فرّوا منه كلّما وجدتم فرصة ومهربا ثمّ فرّوا الى الله بالتّوبة على أيدي خلفائه والبيعة معهم بشرائطها إذا وصلتم إليهم فان تبتم اليه بشرائطها (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) ما دمتم في الطّريق (إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) معيّن لخروجكم من الدّنيا ووصولكم الى موطنكم بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ) في الطّريق بكثرة المجاهدة وكثرة جنوده الالهيّة في مملكته (فَضْلَهُ) عين فضله لانّ الفضل يتصوّر بصور حسناء خصوصا على ما قلنا من انّ الفضل لذي الفضل هو كثرة الجنود الالهيّة أو على القول بتجسّم الأعمال أو جزاء فضله كما فسّره المفسّرون (وَإِنْ تَوَلَّوْا) تتولّوا عن عبادة الله والاستغفار والتّوبة (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) يوم القيامة الكبرى (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) تعليل أو حال (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ثنى الصّدر وثنى الظّهر كناية عن إخفاء الإنسان نفسه حتّى لا يراه أحد وهو إبداء ذمّ بأنّهم لحمقهم يثنون صدورهم (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) من الله مع انّه عالم بسرائرهم فكيف يستخفون منه بعلنهم بواسطة تثنية ظهورهم ، روى انّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله (ص) حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا ، وغطّى رأسه