حيث لا يعلمون (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) اى الّذين قالوا انّ الله هو المسيح والّذين قالوا انّ الله ثالث ثلاثة (عَذابٌ أَلِيمٌ) يعنى انّهم بقولهم على الله ما لا يجوز في حقّه ممتازون بالعذاب الأليم ، وامّا رؤساؤهم الّذين ما قالوا على الله ما لا يجوز في حقّه ولم يكفروا مثل الاتباع من هذه الجهة فلهم عذاب أيضا بانكارهم نبوّة محمّد (ص) وإلقاء كلمة لا يدرك الاتباع المقصود منها (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ) بعد ما علموا انّ هذه الكلمة كفر وإغواء للغير (وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) حال للتّعليل (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) لا اله كما قال الفرقة الاولى ولا واحد الآلهة كما قال الفرقة الثّانية (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) صدقت عن الاعوجاج قولا وفعلا وحالا ، وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه ورسله والدّليل على انّهما ليسا الهين انّهما (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) فيشتركان معكم في اخسّ أحوالكم وهو الاحتياج الى الاكل ، وهو كناية عن الاحتياج الى التخلّى ومن كان محتاجا مبتلى بأخسّ الأحوال لا يصير إلها في ارفع المقام (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) يعنى انظر الى بياننا العجيب لآيات القرآن في بيان حال عيسى (ع) وأمّه مناسبا لفهمهم وشأنهم بحيث لا يمكن لهم إنكاره ، أو انظر الى بياننا لآياتنا الّتى منها عيسى (ع) وأمّه (ع) بحيث يدركه كلّ أحد ولا يبقى له ريب (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) تخليل ثمّ للتّفاوت بين التّعجّبين يعنى انصرافهم عن الحقّ في عيسى (ع) وأمّه (ع) بعد هذا البيان أو بعد ما رأوا منهم وعلموا هذه الحالة الخسيسة أعجب من كلّ عجيب (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) يعنى المسيح (ع) فانّه بعد ما علم احتياجه الى اخسّ الأحوال وعدم مالكيّته لدفع ضرّ تلك الحاجة عن نفسه يعلم انّه لم يكن مالكا للضرّ والنّفع لغيره فلم يكن أهلا لان يعبد والمقصود التّعريض بالامّة في طاعة من لا يدفع ضرّا عن نفسه (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) يعنى والحال انّ سماع الحاجات وقضائها منحصر فيه ليس لغيره (الْعَلِيمُ) والعلم بمقدار الحاجات وكيفيّة دفع المضارّ وجلب المنافع أيضا منحصر فيه (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) غلوّا غير الحقّ وهو القول والاعتقاد في الأنبياء (ع) زائدا على مرتبة فهمكم أو زائدا على مرتبتهم هذا للمتبوعين (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) اى من قبلكم باستبدادهم في الرّأى من المبتدعين الماضين أو الحاضرين وهذا للاتباع المقلّدين (وَأَضَلُّوا كَثِيراً) باستتباعهم ايّاهم في رأيهم (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) السّبيل المستوى الى طرفي الإفراط والتّفريط والتّكرار باعتبار انّ الاوّل الضّلال عن احكام النّبوّة القالبيّة والثّانى الضّلال عن احكام الولاية القلبيّة وهذا تعريض بالامّة في ضلالهم عن احكام محمّد (ص) وأقواله وضلالهم عن ولاية علىّ (ع) واتباعه (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) استيناف واقع موقع التّعليل ، في المجمع عن الباقر (ع): امّا داود (ع) فانّه لعن أهل ايلة لمّا اعتدوا في سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه فقال : اللهمّ البسهم اللّعنة مثل الرّداء على المنكبين ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة ، وامّا عيسى (ع) فانّه لعن الّذين أنزلت عليهم المائدة ثمّ كفروا بعد ذلك فصاروا خنازير (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) فلا تعصوا أنتم ولا تعتدوا واسمعوا يا أمّة محمّد (ص) (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) يعنى لا ينهى بعضهم بعضا أو لا يرعوون