في التّرقى فانّ الحركة خروج تدريجا من القوّة الى الفعل والخروج من القوّة الى الفعل معنى التّرقّى وكلّ من هذه خروجه من القوّة الى الفعل من اوّل تكوّنه الى كماله اللّائق به يكون على الصّراط المستقيم والفعليّات اللّائقة به انّ لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الإنسان من افراد الحيوان فانّه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصّراط المستقيم اللّائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه أيضا يخرج من القوّة الى الفعل على الصّراط اللّائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال في اختياره فاذا حصل له استقلال في اختياره وحان أوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليّات اللّائقة بنوع الإنسان من دون حصول فعليّة مخالفة لنوعه متخلّلة بين تلك الفعليّات حتّى يصل الى آخرة فعليّاته وهي مقام الإطلاق والولاية الكليّة وعلويّة علىّ (ع) وهذا نادر وكثيرا ما يخرج من القوى الى الفعليّات اللّائقة به بتخلّل فعليّات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليّات لا على الصّراط المستقيم الانسانىّ بل قد يعوّج صراطه الى غير الفعليّات اللّائقة به وقوله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) اشارة الى هؤلاء السّلّاك ، وقد يخرج الإنسان الى الطّرق المعوّجة والفعليّات الغير اللّائقة به من دون فعليّة لائقة به فقد ينتهى في تلك الفعليّات فيصير أخسّ من البهائم أو السّباع أو الشّيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعليّة الّتى وقف عليها ولمّا كان الصّراط المستقيم الانسانىّ ادقّ الأمور بحيث لا يمكن لكلّ بصير تمييزه ، وأحد الأمور بحيث لا يمكن لكلّ سألك سلوكه من غير زلّة الى أحد الطّرفين ، وأخفى الأمور بحيث لا يمكن لكلّ مدرك إدراكه وكان الأشخاص مختلفين في السّير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الأسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنّه أدقّ من الشّعر وأحدّ من السّيف وانّه مظلم يسعى النّاس عليه على قدر أنوارهم ولكون تلك الفعليّات اللّائقة بالإنسان صور مراتب انسانيّة الإنسان ومحفوفة بفعليّات الإفراط والتّفريط الّتى هي انموذجات الجحيم ومخرجة للإنسان في كلّ مرتبة وفعليّة من صورة من صور مراتب النيّران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد انّ الصّورة الانسانيّة هي الطّريق المستقيم الى كلّ خير والجسر الممدود بين الجنّة والنّار ؛ وانّ الصّراط ممدود على متن جهنّم ، ولمّا كان السّلوك على الصّراط الانسانىّ والخروج من القوى الى الفعليّات الانسانيّة مستلزما للتّوسط بين الإفراط والتّفريط في الأعمال البدنيّة والأحكام الشرعيّة وفي الأعمال القلبيّة يعنى الأخلاق النّفسيّة والأحوال الطّاريّة وفي أوصاف العقليّة والعقائد الدّينيّة وكان التّوسّط في ذلك مستلزما للسّلوك على الصّراط الانسانىّ فسّر الصّراط بالتّوسط في الأعمال والأحوال والأخلاق والعقائد والتّوسّط في الأعمال مثل التّوسط في الاكل والشّرب المشار اليه بقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا) فانّه إباحة للأكل والشّرب أو استحباب أو وجوب ومنع عن الإمساك (وَلا تُسْرِفُوا) فانّه منع صريحا عن الإفراط ، ومثل التّوسط في الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى (لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ،) ومثل قوله تعالى في الصّدقات الواجبة أو المستحبّة (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) ، ومثل قوله تعالى في الصّلوة أو في مطلق العبادات البدنيّة (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ، والتّوسط في الأحوال كالتّوسط بين الجذب والسّلوك الصّرف ، والتّوسط بين القبض والبسط ، والتّوسط بين الخوف والرّجاء ، والتّوسط في الأخلاق كالتّوسط بين الشره والخمود المسمّى بالعفّة ، والتّوسط بين التّهوّر والجبن المسمّى بالشجاعة ، والتّوسط بين الجربزة والبلاهة المسمّى بالحكمة ، والتّوسط بين الظلم والانظلام المسمّى بالعدالة ، والتّوسّط في العقائد كالتّوسط بين التّنزيه المحدّد والتّشبيه المجسّم في الحقّ الاوّل تعالى شأنه ، والتّوسط بين حصر النّبى (ص) والامام (ع) على المرتبة