تَأْكُلُهُ النَّارُ) يعنى عهد إلينا ان لا نؤمن الّا برسول يأتى بهذه المعجزة الّتى كانت لانبياء بنى إسرائيل وهي ان يقرب (ع) بقربان فيقوم النّبىّ (ص) فيدعوا فيأتي نار من السّماء فتحيل القربان الى طبعها بالإحراق (قُلْ) لهم (قَدْ جاءَكُمْ) اى اسلافكم الّذين كنتم اسناخا لهم (رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) والمعجزات الكثيرة غير ما قلتم (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذه الدّعوى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فلا تحزن فانّ المكذّبيّة كانت سيرة الأنبياء (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ) صفة أو حال بتقدير قد أو مستأنف (بِالْبَيِّناتِ) المعجزات الواضحات أو الموضحات الّتى هي من آثار الرّسالة ومصدّقاتها أو الحجج الدّالّة على صدق رسالتهم أو الأحكام القالبيّة الدّالّة على صدقهم (وَالزُّبُرِ) الحكم والمواعظ الّتى هي آثار الولاية الدّالّات على حقّيّتهم وصدقهم (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) احكام الرّسالة الّتى تضيء قلوب العاملين بها وتنير صدق الرّسل في رسالتهم أو الّتى تتّضح في أنفسها فانّ المنير من أنار وهو لازم ومتعدّ والكتاب التّدوينىّ صورة تلك الأحكام.
اعلم انّ البيّنة من بان بمعنى ظهروا ظهر لازم ومتعدّ تطلق على المعجزة لوضوح كونها من الله وإيضاحها ما تدلّ عليه من صدق من أتى بها ، وعلى احكام الرّسالة لانّها احكام القالب الظّاهرة على كلّ ذي حسّ والمظهرة لصدق من أتى بها والمظهرة طريق من عمل بها ، وعلى الحجج والبراهين الدّالّة على صدق الدّعوى ، وعلى الشّاهد المظهر بنطقه صدق الدّعوى ، وعلى الحروف الملفوظة من أسماء الحروف ، أو على غير الحرف الاوّل من حروف أسماء الحروف مقابل الزّبر المطلقة على الحروف المكتوبة منها ، والزّبر جمع الزّبور بالفتح بمعنى الكتاب لكنّ المراد بها هاهنا الأحكام القلبيّة وآثار الولاية من المواعظ والنّصائح والآثار الّتى تظهر للسّالكين في طريق الولاية فانّها كلّها التّعبير عنها ليس الّا بالكناية والاشارة كما انّ الكتابة في الحقيقة تعبير عمّا في القلب بنحو اشارة والمراد بالكتاب هاهنا احكام الرّسالة القالبيّة (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) جواب لسؤال مقدّر وتسلية للرّسول (ص) وللمؤمنين وتهديد للمكذّبين كأنّه قيل : فما لنا لا نرى الفرق بين المصدّقين والمكذّبين؟ ـ فقال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) توفية الشّيء إعطاءه بتمام اجزائه يعنى تعطون أجوركم بتمامها من دون نقيصة شيء منها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) اى يوم قيامكم عند الله ، أو قيامكم من قبوركم وأشار بمفهوم القيد الى انّه يعطى شيء من الأجور قبل القيامة بعد الموت وفي الحيوة الدّنيا لانّ أنموذج الأجر في الأعمال الّتى لها أجر ان وقعت على ما قررّها الشّارع يكون مع العمل ويصل شيء من الأجر الى العامل بعد العمل في الدّنيا وفي القبر لكن تمام الأجر بحيث لا يشذّ منه شيء يعطى يوم القيامة (فَمَنْ زُحْزِحَ) اى بوعد (عَنِ النَّارِ) تفصيل لاقسام الأجر وأربابها (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بالنّجاة ونعيم الآخرة (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) جمع الغارّ أو مصدر وهذا واقع موقع من ادخل النّار وزحزح عن الجنّة فقد هلك واكتفى بهذا للاشعار بانّ الغرور بالحيوة الدّنيا مادّة دخول النّار فكأنّه قال : ومن اغترّ بالحيوة الدّنيا ادخل النّار ، ومن ادخل النّار فقد هلك ، في الحديث القدسىّ : فبعزّتى حلفت وبجلالي أقسمت انّه لا يتولّى عليّا (ع) عبد من عبادي الّا زحزحته عن النّار وأدخلته الجنّة ، ولا يبغضه أحد من عبادي الّا أبغضته (لَتُبْلَوُنَ) مستأنفة