وطرح شهوات النّفس وفي هذه المرتبة يباح له القصاص عن المسيء لكنّه ينهى عن الزّيادة على قدر الاساءة وهو أيضا تقوى وإنفاق من القوّة الغضبيّة وإمضائها فانّها لا تقف في مقام مكافاة المسيء على حدّ وهذه المرتبة لها درجات عديدة ، وثانيتها مقام كظم الغيظ وترك إمضاء الغضب على المسيء ولهذه المرتبة أيضا درجات ، وثالثتها العفو عن المسيء وتطهير القلب عن الحقد عليه ولا يكون الّا إذا حصل للسّالك مقام الشّهود والعيان وشاهد الحقّ الاوّل في مظهر من مظاهره ولهذه المرتبة أيضا درجات وفي هذه المرتبة مهالك عديدة ومفاسد غير محدودة وكلّ من زاغ وانحرف الى مذهب من المذاهب الباطلة نشأ انحرافه من هذه المرتبة وآخرة درجاتها آخرة درجات العبوديّة واوّل ظهور الرّبوبيّة وهو مقام الإحسان ومقام المحبوبيّة لله (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) عطف على الّذين ينفقون والفاحشة تطلق على الزّنا مخصوصا وعلى ما يشتدّ قبحه مطلقا وعلى كلّ ما نهى الله عزوجل عنه (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) الظّاهر المتبادر ان يكون المراد بالفاحشة البالغ في القبح وبظلم النّفس مطلق القبيح حتّى يكون من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ أو الغير البالغ في القبح حتّى يكون قسيما للفاحشة لكنّه نسب الى النّبىّ (ص) انّه فسّر الفاحشة بالزّنا وظلم النّفس بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا وانّ الآية نزلت في شابّ كان ينبش القبور سبع سنين حتّى نبش قبر جارية من بنات الأنصار وأخذ كفنها ثمّ جامعها فسمع صائتا يقول من ورائه : يا شابّ ويلك من ديّان يوم الدّين يوم يقفني وايّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة الى حسابي فويل لشبابك من النّار ، فندم وأتى النّبىّ (ص) باكيا متضرّعا ولمّا علم النّبىّ (ص) بحاله بعد استعلام حاله نحّاه من عنده فيئس وخرج الى بعض الجبال وتضرّع على الله أربعين صباحا حتّى انزل الله تعالى قبول توبته وانزل هذه الآية على نبيّه (ص) فخرج مع أصحابه في طلبه فدلّوه عليه فجاء اليه ودنا منه وأطلق يديه من عنقه ونفض التّراب من رأسه وقال : يا بهلول أبشر فانّك عتيق الله من النّار (ذَكَرُوا اللهَ) يعنى لم يكن الفاحشة أو ظلم النّفس من التّمكّن في الجهل بل كان من اللّمم النّازلة بالعباد المغفورة لانّها لم تكن كبيرة كما سبق انّ الكبير ما كان صادرا من التّمكّن في اتّباع الطّاغوت وامّا إذا كان الإنسان متمكّنا في اتّباع علىّ (ع) وولايته فكلّما صدر عنه من المساوى فهو من قبيل اللّمّات ومن الصّغائر وهذا الإنسان كلّما يوقعه الشّيطان في قبيح يتذكّر الله لا محالة ويندم على قبيحه ويستغفر ربّه وما ورد في الاخبار من انّ الإصرار ان يذنب الذّنب فلا يستغفر الله ولا يحدّث نفسه بتوبة ، ومن قوله (ع): لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ، ومن قول النّبىّ (ص): ما اصرّ من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرّة ، وغير ذلك ممّا ورد في بيان الكبائر والصّغائر يشعر بما ذكرنا فصاحبوا الصّغيرة هم الّذين إذا فعلوا فاحشة اىّ فاحشة كانت ذكروا الله (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وصاحبوا الكبيرة هم الّذين إذا فعلوا فاحشة لم يتذكّروا ولم يستغفرا الله لذنوبهم ، وما ورد من تعداد الكبائر وحصرها في السّبعة أو أكثر انّما هو للاشارة الى الكبارة بنسبة بعضها الى بعض (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) معترضة أو حاليّة والمقصود تأييس العباد عن التوجّه الى غيره تعالى والاستغفار ممّن سواه وتوصيفه تعالى بسعة المغفرة مع حصرها فيه (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) عطف على قوله (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ،) والإصرار على المعصية كما علم سابقا توطين النّفس على المعصية من دون احداث توبة سواء صدرت عنه مكرّرة أم لا كما انّ الكبيرة هي المعصية الصّادرة عن تمكين النّفس في الجهل واتّباع الطّاغوت (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعنى لم يصرّوا على الفاحشة أو ظلم أنفسهم والحال انّهم كانوا يعلمون بقبح فعلهم يعنى انّ مناط