قال المفسّرون : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بالنّفقة في الخير والصّدقة. وقال قتادة : بحقّ الله عزوجل ، قوله : (وَاسْتَغْنى) أي عن ثواب الله فلم يرغب فيه (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) وقد سبقت الأقوال فيها.
وفي «العسرى» قولان : أحدهما : النّار ، قاله ابن مسعود. والثاني : الشّرّ ، قاله ابن عباس. والمعنى : سنهيؤه للشّرّ فيؤدّيه إلى الأمر العسير ، وهو عذاب النار.
ثم ذكر أنّ ما أمسكه من ماله لا ينفعه ، فقال عزوجل : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) الذي يبخل به عن الخير (إِذا تَرَدَّى) وفيه قولان : أحدهما : إذا تردّى في جهنّم ، قاله ابن عباس ، وقتادة. والمعنى : إذا سقط فيها. والثاني : إذا مات فتردّى في قبره ، قاله مجاهد.
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))
قوله عزوجل : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) قال الزّجّاج : المعنى : إنّ علينا أن نبيّن طريق الهدى من طريق الضّلال. قوله : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) أي : فليطلبا منّا (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) أي : تتوقّد وتتوهّج (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) يعني : المشرك (الَّذِي كَذَّبَ) الرّسول (وَتَوَلَّى) عن الإيمان. قال أبو عبيدة : و (الْأَشْقَى) بمعنى الشّقيّ. والعرب تضع «أفعل» في موضع «فاعل». قال طرفة :
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
قال الزّجّاج : وهذه الآية هي التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا يدخل النار إلّا كافر ، وليس كما ظنوا. هذه نار موصوفة بعينها ، ولأهل النار منازل. فلو كان من لا يشرك لا يعذّب لم يكن في قوله عزوجل (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) فائدة. وكان «ويغفر ما دون ذلك» كلاما لا معنى له.
قوله عزوجل : (وَسَيُجَنَّبُهَا) أي : يبعد عنها ، فيجعل منها على جانب (الْأَتْقَى) يعني : أبا بكر الصّدّيق في قول جميع المفسّرين ، (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) أي : يطلب أن يكون عند الله زاكيا ، ولا يطلب الرّياء ، ولا السّمعة (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أي : لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه.
(١٥٣٧) وروى عطاء عن ابن عباس أنّ أبا بكر لمّا اشترى بلالا بعد أن كان يعذّب قال المشركون : ما فعل أبو بكر ذلك إلّا ليد كانت لبلال عنده ، فأنزل الله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) أي : إلّا طلبا لثواب ربّه. قال الفرّاء : و«إلّا» بمعنى «لكن» ونصب «ابتغاء» على إضمار إنفاقه. فالمعنى : وما ينفق إلّا ابتغاء وجه ربّه.
قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) أي : بما يعطى في الجنّة من الثّواب.
____________________________________
(١٥٣٧) ذكره الواحدي ٨٥٧ عن عطاء عن ابن عباس بدون إسناد.
__________________
(١) النساء : ٤٨.