سئل عنترة بن شداد ـ الفارس العربي الجاهلى المعروف ـ سئل عن هذا الرعب الذي يملأ قلوب الأبطال منه ، وكيف يبلغ رعبهم منه إلى هذا الحدّ الذي يبطل عمل الأبطال ، ويشل حركتهم؟ فقال عنترة : «أبدأ القتال بأن أعمد إلى أي فارس من عامة الفرسان ، فأضربه ضربة ينخلع لها قلب الشجاع»!.
ولهذا كان من سياسة الحرب أن تكون الضربة الأولى ضربة يرمى فيها كلّ من المتحاربين بثقله كله ، حتى تقع الضربة موقعا قائما وراء تقدير العدو ، الذي ما كان يحسب حسابا لها من هذا الوجه .. وهنا تكثر دواعى البلبلة والاضطراب ، ثم التفكك والانحلال ، ثم الهزيمة والاستسلام ، إذا لم يكن الضارب قد تلقى ضربة كهذه الضربة .. وعندئذ تتعادل الكفتان ، ثم يكون الغلب لمن أمسك بالثقة والطمأنينة فى قلبه ، واحتمل فى صبر وجلد نار الحرب ، وأهوالها .. إنها الحرب ، وإنها ابتلاء في الأموال والأنفس والثمرات! إنها قتال وقتل ..!
يروى أن سائلا سأل عنترة : كيف كان منك أنك لم تفرّ فى معركة قط ، على كثرة ما دخلت فى معارك ، وما التقيت بأبطال؟
فقال عنترة لسائله : أعطنى يدك ، وخذ يدى ، وعضّ إبهامى وسأعض إبهامك!! ففعل الرجل ، وفعل عنترة .. ولكن سرعان ما صرخ الرجل! فبادره عنترة قائلا : «إنك لو لم تصرخ أنت لصرخت أنا»!! وبهذا تلقى الرجل الجواب الوافي الشافي على سؤاله.
إن عنترة إنسان قبل أن يكون بطلا ، فهو يخاف ، ويتألم ، ويكره أن يقتل ، أو يجرح .. شأنه فى هذا شأن الناس ، أبطالا ، وغير أبطال .. ولكنه لبس ثوب البطولة بصبره على المكاره ، أكثر من خصمه .. فلو أن خصم عنترة صبر صبره على المكروه ، الذي يسقيه كل منهما لصاحبه ـ لو أنه صبر