صاحب في السفر ، واُنس في الغربة ، ومن عرف الحكمة لم يصبر عن الازدياد منها ، والشريف من شرَّفه علمه ، والرفيع من رفعته الطاعة ، والعزيزمن أعزته التقوى » (١).
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : « لا قول إلاّ بعمل ، ولا قول ولاعمل إلاّبنيّة ، ولا قول وعمل ونية إلاّ بإصابة السنة ».
وما نقلته من نهج البلاغة تصنيف السيد الرضي الموسوي رضياللهعنه.
قال : كميل بن زياد : أخذ بيدي أميرالمؤمنين عليهالسلام فأخرجني إلى الجبانة (٢) ، فلما أصحر تنفس الصُّعَداء ، ثم قال :
« يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.
يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكوعلى الانفاق ، وصنيع المال يزول بزواله.
يا كميل بن زياد ، معرفة العلم دين يدان به ، ويكسب صاحبه الطاعة في حال حياته ، وحسن الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، هلك خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة.
ها! إن هاهنا علماً جمّاً ، لوأصيب له حملة ـ وأشارإلى صدره ـ بلى أصيب له لقناً غير مأمون عليه ، مستعملاً الة ألدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادأ َ(٣) لحملة الحق ، لابصيرة له في أحنائه (٤) ، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك! أومنهوماً باللذة ، سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والإدّخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شيء
__________________
١ ـ كنز الفوائد : ١٤٧ ، من : وقال عليهالسلام : « قيمة كل امرىء ما يحسن ... ».
٢ ـ الجبَانة : الصحراء ، وتسمى بها المقابر ، لأنها تكون في الصحراء ... والجبّان : الصحراء أيضاً. « مجمع البحرين ـ جبن ـ ٦ : ٢٢٤ ».
٣ ـ في الأصل : متقلدآَ ، وما أثبتناه من المصدر.
٤ ـ أحنائه : معاطفه ومطاويه. (الصحاح ـ حنا ـ ٦ : ١ ٢٣٢).