آلهة لهم من دون الله ، ما فيه نفع وخير ، كالملائكة ، وبعض الصّالحين ، الذين قيل إن ودّا وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، كانوا من صالحى العرب ، فلما ماتوا صنعوا لهم التماثيل ، وأطلقوا عليها أسماءهم ، ثم عبدوهم ..
فالملائكة ، وهؤلاء الصّالحون من عباد الله ، ممن عبدهم الناس ، أو اتخذوهم شفعاء لهم عنده ـ هم أشبه بهذا الماء ، الذي فيه رىّ وحياة ، وأنّ من يسلك سبيلهم ، ويتأسّى بهم ، ويرد موارد التقوى التي وردوها ـ يجد الرىّ لروحه ، والحياة لقلبه .. ولكن المشركين لم يحسنوا التعامل معهم ، والانتفاع بهم ، فهلكوا ، وطريق النجاة دان منهم ، ماثل أمام أعينهم!
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ..
هو قهر للمشركين وإذلال لهم ، وأنّهم من حيث لا يريدون ، ولا يدرون ، هم منقادون لله ، خاضعون له ، إذ كانوا تحت سلطانه القاهر ، وإرادته النافذة .. فهم إذ لم يعبدوا الله اختيارا وولاء ، عبدوه كرها واضطرارا .. وأنفهم فى الرّغام ، ومصيرهم إلى النار ، لأنهم عصوا الله ، وكفروا به ، وأبوا أن يعطوه ولاءهم مختارين!
وليس هذا شأن المشركين وحدهم .. بل إن الوجود كلّه ، فى سماواته وأرضه ، وما فى سماواته وأرضه ، ساجد لله ، خاضع لعزته وجبروته ، منقاد لإرادته ومشيئته .. فالمراد بالسجود هنا ، الخضوع والانقياد (طَوْعاً وَكَرْهاً)!.
والوجود كلّه ـ ما عدا الإنسان ـ يسجد لله ، ويخضع لإرادته ، وينقاد لمشيئته «طوعا» من غير تردد ، إذ لم يكن فيها ـ كما نعلم ـ كائن ذو إرادة ، تضعه أمام أوامر الله ونواهيه بين الإقدام والإحجام ، وبين الامتثال ،