وقد فسّر بعض المفسّرين تقوى الله حق تقاته ، بالتقوى التي تتناسب مع جلال الله ، وكماله ، وعظمته .. وهذا مقام لا يستطيعه بشر من البشر ، ولا خلق من خلق الله.
ولهذا رأى هؤلاء المفسرون أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١٦ : التغابن)
والواقع أنه لا تعارض بين الآيتين ، وإذن فلا تناسخ بينهما!
ذلك أن معنى قوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الاجتهاد فى عبادته ، وفى طاعته ، على قدر ما تسع نفس الإنسان وتحتمل ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢٣٣ : البقرة). وهو ما تشير إليه الآية الكريمة : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .. فالتقوى على قدر الاستطاعة هى التقوى حقّ التقوى ، وهى المناسبة لقدر الإنسان ولحظّه من الكمال المقدور له .. وعلى هذا ، فالناس على منازلهم من تقوى الله ، كل حسب وثاقة إيمانه وقوة عزيمته ، لا على حسب مالله من كمال وجلال ، فذلك مالا يبلغه إنسان .. أما ما ينبغى لله من قدر وكمال فلن يبلغ أحد ذرة منه!
وحسب الإنسان لكى يكون من عباد الله ، أن يؤمن بالله أولا ، وأن يجتهد فى عبادته وطاعته ما استطاع ، وإن فاته شىء من التقوى والعبادة ـ وهذا ما لا بد أن يكون ـ فلن يفوته سلامة معتقده فى الله ، وإخلاصه فى الإيمان بوحدانيته ، ثم الموت على هذا المعتقد ـ فإن فاته ذلك فقد حبط عمله ، وضلّ سعيه ، وأورد نفسه موارد الهالكين.
وبعد أن ثبت الله قلوب المؤمنين على الإيمان ، دعاهم دعوة أخرى ، وهى أن يكونوا جبهة واحدة فى وجه الأعداء المتربصين بهم .. فقد عرف المسلمون آثار الفرقة فيما كانوا عليه هم وآباؤهم فى الجاهلية ، من عداوة وبغضاء ، ومن خلاف وشقاق ، الأمر الذي ملأ قلوبهم خوفا ، وغمر ديارهم فقرا وحزنا!.