(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟) لقد جمعوا بين الجهل والسفاهة ، فأبوا أن يقولوا «ادع لنا ربنا» وقالوا : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) وكأنه ربّ موسى وليس ربا لهم! ومع هذا فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ، عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أي هى من أواسط البقر فى سنها ، ليست كبيرة ولا صغيرة .. والفارض هى التي ولدت مرات كثيرة ، والبكر ، التي لم تلد بعد .. فهى وسط بين هذين الطرفين.
وفى قوله تعالى : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) تنبيه لهم .. إن كانوا يعقلون .. أن ينتهوا عند هذا ، وألا يطلبوا وراء هذه الصفات صفات أخرى .. ولكن يأبى القوم إلا أن يلبسوا بقرتهم أثوابا لا ترى على كثير من البقر .. فعادوا إلى موسى يسألونه : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) وفى كل مرة يقولون «ربّك» ولا يقولون «ربّنا» ويجيبهم الرحمن الرحيم إلى ما طلبوا : (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ولم يدعهم فى هذه المرة إلى أن يفعلوا ما يؤمرون ، بل تركهم وما تختار لهم أنفسهم من ركوب هذا المركب الخشن ، حتى تحفى أقدامهم وتنهدّ قواهم!
ويعودون إلى موسى مرة أخرى : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ، إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا)!!
والبقر هو البقر .. يشبه بعضه بعضا ، ولكنهم يريدونها بقرة لا شبيه لها .. بقرة خلقها الخالق لهذا المطلب ، ولم يخلق مثلها ..!
ويجيئهم أمر الله : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ، وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) أي إنها بقرة لم يذللها العمل ، بل هى بقرة بريّة مرسلة ، لم تستخدم فى حرث الأرض ، ولا فى سقى ما يحرث من الأرض ، ثم هى بريئة