ورئيس تلك الحصون يركب في كلّ جمعة في عشرة فوارس ، مع كلّ فارس مرزبّة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات ، يسمع من وراء الباب الضّرب فيعلمون أنّ هناك حفظة ، ويعلم هؤلاء أنّ أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا ، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمّعون ، فيسمعون دويّا كالرّعد.
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير ، ومع الباب حصنان يكون مقدار كلّ واحد منهما مائتي ذراع ، في مائتي ذراع ، وعلى باب كلّ حصن شجرة ، وبين الحصنين عين عذبة ، وفي أحد الحصنين آلة بناء السّدّ من قدور ومغارف وفضلة اللّبن قد التصق بعضه ببعض من الصّدإ ، وطول اللّبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج ، فذكروا أنّهم رأوا مرّة أعدادا منهم فوق الشرف ، فهبّت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم ، وكان مقدار الرجل منهم شبرا ونصفا (١) ، فلمّا انصرفنا أخذ بنا الأدلّاء ، إلى ناحية خراسان ، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ ، وكان أصحاب الحصون زوّدونا ما كفانا.
ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر. قال سلام التّرجمان : فأخبرته خبرنا ، فوصلني بمائة ألف درهم ، ووصل كلّ رجل معي بخمسمائة درهم ، ووصلنا إلى سرّ من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرا. قال مصنّف كتاب «المسالك والممالك» (٢) : هكذا أملى عليّ سلام التّرجمان (٣).
__________________
(١) في نهاية الأرب ١ / ٣٧٨ (شبرين ونصفا).
(٢) هو أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبه ، المتوفّى في حدود سنة ٣٠٠ ه.
انظر كتابه (ص ١٦٢ ـ ١٧٠) طبعة بريل ١٨٨٩ ، وانظر نهاية الأرب للنويري ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٨ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٩٧ ـ ٢٠٠.
(٣) قال ياقوت في معجم البلدان ٣ / ٢٠٠ : «قد كتبت من خبر السدّ ما وجدته في الكتب ولست أقطع بصحّة ما أوردته لاختلاف الروايات فيه. والله أعلم بصحته ، وعلى كل حال فليس في صحة أمر السدّ ريب ، وقد جاء ذكره في الكتاب العزيز».