والثالث : أنها ترجع إلى الله عزوجل ، فالمعنى : والعمل الصالح يرفعه الله إليه ، أي : يقبله. قاله قتادة.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) قال أبو عبيدة : يمكرون : بمعنى يكتسبون ويجترحون. ثم في المشار إليهم أربعة أقوال : أحدها : أنّهم الذين مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم في دار النّدوة ، قاله أبو العالية. والثاني : أنّهم أصحاب الرّياء ، قاله مجاهد ، وشهر بن حوشب. والثالث : أنّهم الذين يعملون السّيّئات ، قاله قتادة ، وابن السّائب. والرابع : أنّهم قائلو الشّرك ، قاله مقاتل.
وفي معنى (يَبُورُ) قولان : أحدهما : يبطل ، قاله ابن قتيبة. والثاني : يفسد ، قاله الزّجّاج.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يعني آدم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يعني نسله (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي : أصنافا ، ذكورا وإناثا ؛ قال قتادة : زوّج بعضهم ببعض.
قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي : ما يطول عمر أحد (وَلا يُنْقَصُ) وقرأ الحسن ، ويعقوب : «ينقص» بفتح الياء وضمّ القاف (مِنْ عُمُرِهِ) في هذه الهاء قولان : أحدهما : أنها كناية عن آخر ، فالمعنى : ولا ينقص من عمر آخر ؛ وهذا المعنى في رواية العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في آخرين. قال الفرّاء : وإنما كني عنه كأنّه الأول ، لأنّ لفظ الثاني لو ظهر كان كالأوّل ، كأنّه قال : ولا ينقص من عمر معمّر ، ومثله في الكلام : عندي درهم ونصفه ؛ والمعنى : ونصف آخر. والثاني : أنها ترجع إلى المعمّر المذكور ؛ فالمعنى : ما يذهب من عمر هذا المعمّر يوم أو ليلة إلّا وذلك مكتوب ؛ قال سعيد بن جبير : مكتوب في أوّل الكتاب : عمره كذا وكذا سنة ، ثم يكتب أسفل من ذلك : ذهب يوم ، ذهب يومان ، ذهبت ثلاثة ، إلى أن ينقطع عمره ؛ وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة وأبو مالك في آخرين.
فأما الكتاب ، فهو اللّوح المحفوظ. وفي قوله تعالى (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) قولان :
أحدهما : أنه يرجع إلى كتابة الآجال. والثاني : إلى زيادة العمر ونقصانه.
قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) يعني العذب والملح ؛ وهذه الآية وما بعدها قد سبق بيانه (١) إلى قوله : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) قال ابن عباس : هو القشر الذي يكون على ظهر النّواة. قوله تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم جماد (وَلَوْ سَمِعُوا) بأن يخلق الله لهم أسماعا (مَا
__________________
(١) آل عمران : ٢٧ ، الرعد : ٢ ، الفرقان : ٥٣ ، النحل : ١٤.