قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤))
قوله تعالى : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) قال ابن عباس : فيما مضى من عمري ؛ وقال مقاتل : فيما تركت من العمل الصّالح. قوله تعالى : (كَلَّا) أي : لا يرجع إلى الدنيا (إِنَّها) يعني : مسألته الرجعة (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) أي : هو كلام لا فائدة له فيه (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أي : أمامهم وبين أيديهم (بَرْزَخٌ) قال ابن قتيبة : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة ، وكلّ شيء بين شيئين فهو برزخ. وقال الزّجّاج : البرزخ في اللغة : الحاجز ، وهو ها هنا : ما بين موت الميت وبعثه.
قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) في هذه النّفخة قولان : أحدهما : أنها النّفخة الأولى ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنها الثانية ، رواه عطاء عن ابن عباس.
قوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) في الكلام محذوف ، تقديره : لا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها أو يتقاطعون بها ، لأنّ الأنساب لا تنقطع يومئذ ، إنما يرفع التّواصل والتّفاخر بها.
وفي قوله : (وَلا يَتَساءَلُونَ) ثلاثة أقوال : أحدها : لا يتساءلون بالأنساب أن يترك بعضهم لبعض حقّه. والثاني : لا يسأل بعضهم بعضا عن شأنه ، لاشتغال كلّ واحد بنفسه. والثالث : لا يسأل بعضهم بعضا من أيّ قبيل أنت ، كما تفعل العرب لتعرف النّسب فتعرف قدر الرّجل. وما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) قال الزّجّاج : تلفح وتنفح بمعنى واحد ، إلّا أنّ اللفح أعظم تأثيرا ، والكالح : الذي قد تشمّرت شفته عن أسنانه ، نحو ما ترى من رؤوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمّرت الشّفاه. وقال ابن مسعود : قد بدت أسنانهم وتقلّصت شفاهم كالرأس المشيط بالنار.
(١٠١٨) وروى أبو عبد الله الحاكم في («صحيحه») من حديث أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال في هذه الآية : «تشويه النّار فتقلّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته الشّفلى حتى تبلغ سرّته».
(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١))
____________________________________
(١٠١٨) ضعيف. أخرجه الترمذي ٣١٧٦ والحاكم ٢ / ٣٩٥ من حديث أبي سعيد ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، وصححه الحاكم! واعترضه الذهبي على أن الكلام على إسناده تقدم اه. وإسناده ضعيف لأجل دراج ، فإنه روى عن أبي الهيثم أحاديث مناكير ، كما ذكر العلماء وهذا منها. وانظر «تفسير القرطبي» ٤٤٨٠ بتخريجنا.