حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا ، فستحفرونه غدا ، فيعودون إليه ، فيرونه كأشدّ ما كان ، حتى إذا بلغت مدّتهم ، وأراد الله عزوجل أن يبعثهم على الناس ، حفروا ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذين عليهم : ارجعوا ، فستحفرونه غدا إن شاء الله ، ويستثني ، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس» وذكر باقي الحديث ؛ وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب «الحدائق» فكرهت التّطويل ها هنا.
قوله تعالى : (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لمّا فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا. وفيما أشار إليه قولان : أحدهما : أنه الرّدم ، قاله مقاتل ؛ قال : فالمعنى : هذا نعمة من ربّي على المسلمين لئلّا يخرجوا إليهم. والثاني : أنه التّمكين الذي أدرك به عمل السّدّ ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) فيه قولان : أحدهما : القيامة. والثاني : وعده لخروج يأجوج ومأجوج.
قوله تعالى : (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «دكّا» منونا غير مهموز ولا ممدود. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : دكّاء مهموزة بلا تنوين. وقد شرحنا معنى الكلمة في سورة الأعراف (١). قوله تعالى : (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي : بالثواب والعقاب.
(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١))
قوله تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) في المشار إليهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم يأجوج ومأجوج. ثم في المراد ب «يومئذ» قولان : أحدهما : أنه يوم انقضى أمر السّدّ ، تركوا يموج بعضهم في بعض من ورائه مختلطين لكثرتهم ؛ وقيل : ماجوا متعجّبين من السّدّ. والثاني : أنه يوم يخرجون من السّدّ تركوا يموج بعضهم في بعض. والثاني : أنهم الكفّار. والثالث : أنهم جميع الخلائق : الجنّ والإنس يموجون حيارى. فعلى هذين القولين ، المراد باليوم المذكور يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) هذه نفخة البعث. وقد شرحنا معنى «الصّور» في سورة الأنعام (٢). قوله تعالى : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ) أي : أظهرناها لهم حتى شاهدوها. قوله تعالى : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ) يعني : أعين قلوبهم (فِي غِطاءٍ) أي : في غفلة (عَنْ ذِكْرِي) أي : عن توحيدي والإيمان بي وبكتابي (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) هذا لعداوتهم وعنادهم وكراهتهم ما ينذرون به ، كما تقول لمن يكره قولك : ما تقدر أن تسمع كلامي.
(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢))
قوله تعالى : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أفظنّ المشركون (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) في هؤلاء العباد ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم الشياطين ، قاله ابن عباس. والثاني : الأصنام ، قاله مقاتل. والثالث : الملائكة والمسيح وعزير وسائر المعبودات من دونه ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. قوله تعالى : (مِنْ دُونِي) فتح هذه الياء نافع ، وأبو عمرو. وجواب الاستفهام في هذه الآية محذوف ، وفي تقديره قولان : أحدهما :
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٤٣.
(٢) سورة الأنعام : ٧٣.