قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) يشير إلى اليهود (بِما أَنْزَلَ اللهُ) إليك في القرآن (وَلا تَتَّبِعْ
أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ). قاله أبو سليمان : المعنى : فترجع عما جاءك. قال ابن عباس
: لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن.
قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهاجاً) قال مجاهد : الشّرعة : السّنّة ، والمنهاج : الطّريق. وقال
ابن قتيبة : الشّرعة والشّريعة واحد ، والمنهاج : الطّريق الواضح. فإن قيل : كيف
نسق «المنهاج» على «الشّرعة» وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان : أحدهما : أن بينهما فرقا من وجهين : أحدهما : أن «الشّرعة» ابتداء الطّريق ، والمنهاج : الطّريق المستمر
، قاله المبرّد. والثاني
: أن «الشّرعة»
الطّريق الذي ربّما كان واضحا ، وربّما كان غير واضح ، والمنهاج : الطّريق الذي لا
يكون إلا واضحا ، ذكره ابن الأنباريّ. فلمّا وقع الاختلاف بين الشّرعة والمنهاج ،
حسن نسق أحدهما على الآخر. والثاني
: أنّ الشّرعة
والمنهاج بمعنى واحد ، وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين. قال الحطيئة :
ألا حبّذا هند
وأرض بها هند
|
|
وهند أتى من
دونها النّأي والبعد
|
فنسق البعد على النّأي
لمّا خالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره ابن الأنباريّ. وأجاب
عنه أرباب القول الأوّل ، فقالوا : «النّأي» كلّ ما قلّ بعده أو كثر كأنّه
المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته.
وللمفسّرين في
معنى الكلام قولان : أحدهما
: لكلّ ملّة جعلنا
شرعة ومنهاجا ، فلأهل التّوراة شريعة ، ولأهل الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة
، هذا قول الأكثرين. قال قتادة : الخطاب للأمم الثّلاث : أمّة موسى ، وعيسى ،
وأمّة محمّد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة ، يحلّ الله فيها
ما يشاء ، ويحرّم ما يشاء بلاء ، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه ، ولكن الدّين الواحد
الذي لا يقبل غيره ، التّوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرّسل. والثاني : أنّ المعنى : لكلّ من دخل في دين محمّد جعلنا القرآن شرعة
ومنهاجا ، هذا قول مجاهد.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً
واحِدَةً) فيه قولان : أحدهما : لجمعكم على الحقّ. والثاني : لجعلكم على ملّة واحدة (وَلكِنْ
لِيَبْلُوَكُمْ) أي : ليختبركم (فِي ما آتاكُمْ) من الكتاب ، وبيّن لكم من الملل. فإن قيل : إذا كان المعنى
بقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا
مِنْكُمْ شِرْعَةً) : نبيّنا محمّدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب
بقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ)؟ فالجواب : أنه خطاب لنبيّنا ، والمراد به سائر الأنبياء
والأمم. قال ابن جرير : والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن
تغلّب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب.
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) قال ابن عباس ، والضّحّاك : هو خطاب لأمّة محمّد عليهالسلام. قال مقاتل : و «الخيرات» : الأعمال الصّالحة : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) في الآخرة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من الدّين. قال
ابن جرير : قد بيّن ذلك في الدنيا بالأدلّة والحجج ، وغدا بيبّنه بالمجازاة.