إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

555/606
*

قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) يشير إلى اليهود (بِما أَنْزَلَ اللهُ) إليك في القرآن (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ). قاله أبو سليمان : المعنى : فترجع عما جاءك. قال ابن عباس : لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن.

قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) قال مجاهد : الشّرعة : السّنّة ، والمنهاج : الطّريق. وقال ابن قتيبة : الشّرعة والشّريعة واحد ، والمنهاج : الطّريق الواضح. فإن قيل : كيف نسق «المنهاج» على «الشّرعة» وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان : أحدهما : أن بينهما فرقا من وجهين : أحدهما : أن «الشّرعة» ابتداء الطّريق ، والمنهاج : الطّريق المستمر ، قاله المبرّد. والثاني : أن «الشّرعة» الطّريق الذي ربّما كان واضحا ، وربّما كان غير واضح ، والمنهاج : الطّريق الذي لا يكون إلا واضحا ، ذكره ابن الأنباريّ. فلمّا وقع الاختلاف بين الشّرعة والمنهاج ، حسن نسق أحدهما على الآخر. والثاني : أنّ الشّرعة والمنهاج بمعنى واحد ، وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين. قال الحطيئة :

ألا حبّذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النّأي والبعد

فنسق البعد على النّأي لمّا خالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره ابن الأنباريّ. وأجاب عنه أرباب القول الأوّل ، فقالوا : «النّأي» كلّ ما قلّ بعده أو كثر كأنّه المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته.

وللمفسّرين في معنى الكلام قولان : أحدهما : لكلّ ملّة جعلنا شرعة ومنهاجا ، فلأهل التّوراة شريعة ، ولأهل الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، هذا قول الأكثرين. قال قتادة : الخطاب للأمم الثّلاث : أمّة موسى ، وعيسى ، وأمّة محمّد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة ، يحلّ الله فيها ما يشاء ، ويحرّم ما يشاء بلاء ، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه ، ولكن الدّين الواحد الذي لا يقبل غيره ، التّوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرّسل. والثاني : أنّ المعنى : لكلّ من دخل في دين محمّد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ، هذا قول مجاهد.

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) فيه قولان : أحدهما : لجمعكم على الحقّ. والثاني : لجعلكم على ملّة واحدة (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) أي : ليختبركم (فِي ما آتاكُمْ) من الكتاب ، وبيّن لكم من الملل. فإن قيل : إذا كان المعنى بقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) : نبيّنا محمّدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب بقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ)؟ فالجواب : أنه خطاب لنبيّنا ، والمراد به سائر الأنبياء والأمم. قال ابن جرير : والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن تغلّب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب.

قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) قال ابن عباس ، والضّحّاك : هو خطاب لأمّة محمّد عليه‌السلام. قال مقاتل : و «الخيرات» : الأعمال الصّالحة : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) في الآخرة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من الدّين. قال ابن جرير : قد بيّن ذلك في الدنيا بالأدلّة والحجج ، وغدا بيبّنه بالمجازاة.